بابكر عيسى أحمد يكتب: دكاكين الوهم الكاذب!
إلى أين نحن سائرون؟ تعجزني الإجابة ويسكنني العجز والحزن والمحنه … فالدماء على كل الطرقات … والأطفال باتو هم وقود الحروب، والأسر مبعثرة في طرقات المدن البعيدة والقريبة، والخوف يسكن المآقي والعجز يقيد الخطى، وتصبح الخطى في دروب العالم المعاصر تائهة والطرقات مغلقة والنوافذ لا تحمل الضوء ولا تسمح للهواء بالمرور فتحدث حالة الإختناق اللا انساني التي نعيشها في هذا الزمن المثقوب.
التوتر يخنق الأفق والحروب وارهاصاتها في كل مكان والمؤامرات مكائد تصطاد الفرحة والأمل والتطلع إلى غد جديد ملؤه التفاؤل … الخطى السياسية تقودنا إلى اللامكان واللا شيء وتمتلئ أكفنا بقبض الريح وبالعدم … ليس أمامنا طريق ممهد بالوعد ومملوء بالإرادة.
المحنه في بلادي السودان مستمرة وسط عجز مقيم عن حسم قضية الحرب القائمة بالسلام أو بتقاسم الغنائم … والأسر مبعثرة بين مدينة وقرية ولا أحد يعلم مآلات الآتى، وكل ما نعيشه مهاترات وأكاذيب عبر الوسائط الإجتماعية، وهي مهاترات ثورثنا الغثيان وتغيب الحقيقة عن عقولنا … لا ندري هل نحن سائرون نحو دروب السلام أم أننا ننزلق بإتجاه حرب أهليه تعيد ذكريات وملامح مذابح “الهوتو والتوتسي” في رواندا كحدث قريب أو كأحداث العنصرية والصهيونية والمذابح الأسيوية الممتدة في الأزمان الحديثة والقديمة … والسؤال إلى أي الدروب يتجه السودان حيث لا إجابه؟.
ما يحدث في فلسطين فيلم أمريكي من أفلام الرعب المميت حيث الجثث مبعثرة في الطرقات والموت عنوان للمرحلة، والصمود رغم بدائية الوسائل في مواجهة التكنولوجيا المتطورة والقاتلة هو المنتصر بإرادة الثائرين والثوار البواسل الذين يرفضون بإباء رغم ضخامة التضحيات تكرار مأساة عام 1948 عندما وقعت “ديسابورا” التهجير واحتلال الأراضي وتمكين الإستيطان … المشهد مختلف هذه المرة، فعنوان المرحلة الصمود والإرادة رغم الصمت المخزي والمهين للمجتمع البشري في مواجهة مجموعة من قطاع الطرق تدعمهم الآلة الأمريكية المدمرة والباطشة.
الإنتصار الدبلوماسي الكبير الذي تحقق للقضية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت 153 دولة لصالح قرار بوقف الهجمة البربرية الصهيونية في قطاع غزة واعتراض 10 دول وامتناع 23 دولة عن التصويت كان صفعة قاسية في وجه العدوان الغاشم، ولأن اسرائيل دولة مارقة وفوق القانون والمساءلة رفضت الإستجابة للقرار الذي يحميه الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن.
أين هو الأساس الأخلاقي الذي ترتكز عليه سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة وعلى وجه التحديد إدارة الرئيس الراهن جو بايدن التائهة بين الوسائل والمتسولة للأصوات الصهيونية في الإنتخابات الأمريكية المقبلة … الأخلاق أصبحت إطار بالي لا يغطي فضيحة سقوط بلد بعظمة الولايات المتحدة التي أصبحت دويلة صغيرة بحجم اسرائيل تتحكم في قراراتها وتوجهاتها السياسية حتى أصبحت قضية أوكرانيا ومواجهة الدب الروسي والعملاق الصيني ومضيق بحر الصين في ذيل اهتماماتها.
اسعدني الحظ في هذا الأسبوع المحزن الباكي بمشاهدة فيلم “وداعاً جوليا” في سينمات الدوحة الزاهية والذي يتحدث مخرجه المبدع “الكردفاني” عن محنة انفصال جنوب السودان بإبداع إنساني رائع وبسيط، كشف إزدواجية الإنسان السوداني الذي يعيش الوهم وينتظر السماء أن تسقط رطباً وسلوى للمشردين والجائعين والذين تنهشهم الكراهية ويمزقهم الحقد … هؤلاء الذين يعتبرون الوطن مجرد سلعة تباع في سوق النخاسة … وأدعوا لمن لم يشاهد هذا الفيلم إلى الإسراع بحجز بطاقة للدخول.
“الكردفاني” سيكتشف عبر عدسته الذكية ملايين القصص والحكايات الإنسانية عندما هاجم “الجنجويد” كل مظاهر الحياة في السودان ذلك الوطن الواعد بالعطاء والتمني وكيف تحول إلى حكايات قديمة وبطولات غنائية وأهازيج راقصة تتحدث عن بطولة مفقودة ورجولة مسروقة وحلم تائه بالمستقبل المشرق.
تهت في متاهات عميقة ومتباعدة علني أمسك بخيط الحقيقة وعدت مثل الصياد الخائب بخفي حنين، أبحث عن الحقيقة فلا أجد، وابحر في الوسائط الإجتماعية فيصيبني الغثيان وأقف وحيداً وعرياً وعاجزاً … ماذا أقول كسوداني وعربي وأفريقي وإنسان سوى أنني يسكنني عار هذا الزمان الذي نعيش والذي أصبح فيه الأقزام أبطالاً يحيكون المؤامرات ويشترون الزمم ويستأجرون المرتزقة ليقاتلوا نيابة عنهم في أراض بعيدة مقابل دراهم معدودة … الكارثة أن أغلب أولئك المرتزقة من أبناء تلك الأراضي المسروقة والمنهوبة والذي يباع إنسانها في أسواق النخاسة ودكاكين الوهم الكاذب.