محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
الدين الإسلامي ليست ديانة عسكرية، وإنما ديانة دعوية
الخروج من المشروع الحضاري التي ادعته حكومة الإنقاذ للدرجة التي اختفت حتى شعاراته قبيل سقوطها هذا الخروج ليس بسبب أن أعداءه يتناوشونه من كل جانب إذ أن الله تكفل بأعداء الدين.
وليس بسبب طول الفترة التي تربطه بآخر المشاريع الإسلامية إذ أن هذا الدين هو خاتم الأديان جميعا.
وإنما السبب المباشر في خروج هذه الحكومة من هذا المشروع الحضاري هي أنها حادت عن الطريق، فالنتيجة الطبيعية لكل من يحيد عن هدفه هو عدم الحصول عليه.
جاءت أسباب كثيرة جعلت حكومة الإنقاذ تحيد عن طريق المشروع الحضاري من ضمن هذه الأسبابوهي أنها لم تعمل بالقاعدة القائلة:
بأن الدين الإسلامي ليس ديانة عسكرية في المقام الأول، وإنما هو ديانة دعوية.
حيث أنها منذ البداية عملت على عكس هذه القاعدة
في حين أن الدين الإسلامي منذ بدايته أوضح وبجلاء بأنه دين دعوة.
فعادة البداية تكون بالأصل لا بالفرع، فبدأت الدعوة لهذا الدين سرية ثم بعد ذلك جهرية.
فشملت هذه البداية على حكمة بالغة.
إلى حكمة في غاية العمق وهي أن هذا الدين دين دعوة لا دين قتال وحراب.
سلاحه العلم ولعل معجزته القرآن الكريم دلالة قاطعة لذلك.
فمن أراد أن يدعو للإسلام، فليس هناك من بوابة له سوى العلم.
ليس هناك من بوابة له سوى الكلمة الرصينة الصادقة.
ليس هناك من بوابة له سوى حلقات ومؤسسات ومدارس وجامعات العلم في شتي العلوم الدنيوية والأخروية فكلها تقود لهذا الدين.
في حين بدأت حكومة الإنقاذ مشروعها الحضاري بمعسكرات التدريب العسكرية، وكأنها هي في حالة حرب مع العالم إزاء هذا المشروع الحضاري.
وكأنها هي لا ينقصها حتى تظهر هذا الدين سوى آلة الكلاشنكوف.
نشرت برنامجها العسكري في كل القطاعات المهنية والتنظيمية والطلابية وقبل كل ذلك الشبابية؛ لتعلن للعالم أجمع أن هذا الدين الإسلامي عبارة عن ديانة عسكرية.
استقطبت عبر المؤتمرات والتشييد الدولي تلك المؤسسات التي تدعو إلى حمل المدفع في وجه العدو في حين أن هذا العدو وهو في أشد أنواع ظلمه لمنتسبي الإسلام قابله الإسلام بالدعوة.
قابله الإسلام بالحجة.
لم يسقط سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وجه الإسلام بسيف آخر وجه ضده، وإنما سقط حينما سمع قول الحق عز وجل (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى * تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى*).
بدأت حكومة الإنقاذ تنفيذ مشروعها الحضاري بداية عسكرية وذلك بتجييش منتسبيها؛ لتقع بذلك في كارثتين عظيمتين.
الكارثة الأولى: عدم اعترافها بالمؤسسة العسكرية القائمة إذ أن الاعتراف بها يعمل على تقويتها وتطويرها أما عدم الاعتراف بها هو العمل ومنذ البداية لإيجاد بديل لها طبعا هذا البديل لم يكن ليظهر ظهورا واضحا، وإنما ظهر في شكل تقوية ومساندة للجيش إلا أن الناظر في طريقة التدريب وفي الفئات المدربة يدرك أن هذه العملية ليست عملية تقوية للجيش، وإنما هي عملية إحلال وإبدال.
بدا ذلك من خلال تجييش قيادات التنظيم.
من خلال تجييش كل من ينتسب إليه.
من خلال قوات الدفاع الشعبي.
من خلال قوات الدعم السريع.
أما الكارثة الثانية فهي أعظم وأشد خطورة من الكارثة الأولى وهي تتلخص في الرسالة التي تريد أن توصلها حكومة الإنقاذ للعالم في أن هذا الإسلام عبارة عن ديانة عسكرية ليس فقط ستكون له المهمة الأولى في النشاط العسكري وأهدافه بل أفراده لا بد أن يكونوا عسكريين وبالتالي عملت حكومة الإنقاذ على إعادة هيكلة الجيش وتصفية قياداته وفقا لهذا الفهم، فمن يتقدم فهو بالضروة إسلاميا لا علاقة لتقدمه بالتكتيك الحربي أو معرفة الفنون العسكرية.
المهم والضروري هو أن يكون هذا العسكري إسلاميا شعاره هذا المشروع الحضاري.
فالكلمة لا لمن ينتسب للمؤسسة العسكرية، وإنما الكلمة لمن ينتسب للمشروع الحضاري.
سارت حكومة الإنقاذ منذ اللحظة الأولى لتثبت هذا المسار وهو أن الدين الإسلامي ديانة عسكرية وليس بالديانة الدعوية.
فمن يتقرب إليها ليس ذلك الباحث في علوم الفقه، وفي علوم الدعوة، وفي علوم التفسير، وإنما المتقرب إليها ذلك المجاهد الذي ينتشر في غابات بانتيو وتوريت.
فالمجاهد والشهيد في ساحات الحرب هو صاحب المشروع الحضاري.
سقط المشروع الحضاري ليس لأنه مشروع فاشل في ذاته بل هو المشروع الذي خلق الله السموات والأرض من أجله.
فشل المشروع لأنه ضل طريقه.
وسلك طريقا لا علاقة له بسيرة نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
فسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التبليغ والهداية.
سلك طريقا لا علاقة له بمضامين هذا الدين هذه المضامين التي يتشكل منها الاقتناع والاختيار في تبني معتقداته وأهدافه.
سلك طريقا لا علاقة له بمعجزته، فمعجزة هذا الدين القرآن والكلمة والعلم والعلماء.
ذلك القرآن الذي وصف بأن من أخذ منه فقد أخذ حظا وافرا.
إن نصرة المشروع الحضاري تأتي من خلال اكتشاف الأخطاء والأساليب التي حالت دون السير في طريقه.