السفير الصادق المقلي يكتب: انقلاب اكتوبر 2021, و حرب ابريل 2023..و المساءلة الجنائية الدولية
نخشي أن يعيد التاريخ نفسه و يكون السودان عرضة للمساءلة الجنائية الدولية علي غرار ما حدث في حالة دارفور و التي احيل الوضع الأمني و الإنساني فيها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بناء على القرار 1593 الصادر من مجلس الأمن..كما سيوضح أدناه..سيما و أن الوضع الأمني و الإنساني في دارفور و في الخرطوم و في الجزيرة أسوأ بكثير مما كان عليه في دارفور و الذي استدعي قوات حفظ السلام اليوناميد ..و ذلك في حالة خلص تقرير لجنة تقصي الحقائق عن الوضع الراهن إلي أن الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب الدائرة حاليا ترقي الي جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و إبادة جماعية المنصوص عليها في ميثاق روما…
العدالة الجنائية ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية..حيث تمت إجازة قانون منع الإبادة الجماعية عام 1948 ، و هي الاتفاقية التي كانت ضرية البداية لحماية وهو احترام القانون الدولي الإنساني و الذي تبلور في عام 1949 باتفاقيات جنيف الأربع…و من وحي اتفاقية منع الإبادة الجماعية صدر قرار من الأمم المتحدة بتكليف لجنة القانون الدولي بصياغة قانون يفضي الي إنشاء محكمة جنائية دولية و لكن ظروف الحرب الباردة التي استمرت خمسين عاما حالت دون مواصلة لجنة القانون الدولي لإجتماعاتها ..و في غضون ذلك شكل مجلس الأمن المحكمة الخاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا عام 1994 و في يوغسلافيا عام 1993 …و قد سبق ذلك بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها محكمتا نورنبرغ في المانيا عام ء1945 لمحاكمة الضباط النازيين و محكمة طوكيو عام 1946..و هي محاكم عسكرية ايجازية حيث كان الحلفاء هم الخصم و الحكم. The court of the victors..محكمة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ضد المنهزمين ..
و في أعقاب نهاية الحرب الباردة استأنفت لجنة القانون الدولي أعمالها حيث عقدت ست اجتماعات تحضيرية Precoms..تمخضت عن صياغة ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ..و الذي تمت الإجازة النهائية له في مؤتمر روما الدولي عام 1998…حيث نال 120 صوتا و معارضة سبع دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل و قطر.
و قد شارك السودان في هذا المؤتمر بوفد برئاسة وزير العدل وقتها مولانا علي محمد عثمان يس….بل هو الذي القي خطابا باسم المجموعة العربية.. و قد عقد السودان عقد عدة ورش أفضت الي توقيعه علي الميثاق..و لكن حدث ما حدث بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير عام 2009..
و ما يجدر ذكره أن السودان تفاديا ، لانعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي علي الرئيس و آخرين ,,, تم في عام 2010 تعديل القانون الجنائي لعام 1991, حيث تم تضمين الجرائم المنصوص عليها في ميثاق روما..لكي تتم محاكمة المتهمين في السودان بدلا عن تسليمهم و مثولهم أمام محكمة لاهاي…لكن بالطبع هذا التشريع الجديد اصطدم بميثاق روما نفسه..اذ نص الأخير علي عدم رجعية الأثر.. المواد 22. 23. 24:…..سيما و أن الميثاق لا يسري علي الجرائم التي ارتكبت قبل عام 2002 تاريخ المصادقة علي الميثاق ..و من المعروف أن الجرائم في دارفور كانت بعد اندلاع الحرب الأهلية عام،2003..و فقد معيار القدرة رغم توفر الرغبة .اي انه willing but not capable… إذ لا يمكن العمل بالقانون الجنائي السوداني لعام 1991 المعدل عام 2010 بأثر رجعي.
بيد أن الميثاق نفسه نص على إمكانية انعقاد المحكمة خارج مقرها في لاهاي …المادة 3 ..كما اتاحت الفرصة للدولة أن تسعى إلى عقد محكمة هجين Hybrid Court في الداخل لمحاكمة المتهمين…
تم اكتمال نصاب الدول الموقعة علي الميثاق في عام 2002. و لكن هناك بعض الدول لم تصادق على الميثاق لكي تصبح طرفا من أطراف الميثاق ، Roma Statute..بعض الدول الموقعة سحبت حتي توقيعها مثل الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا و السودان بعد إصدار مذكرة توقيف ضد البشير في عام 2009..
و بالمناسبه فإن السودان بسبب معارضته للمحكمة الجنائية الدولية فقد فقد عضويته فيما يعرف بالتجمع الإقليمي بين الاتحاد الأوروبي و دول افريقيا و اسيا و الكاريبي EU–ACP.. الموقعة كلها علي اتفاقية لومي …توقو ..1995 ،2005,و التي سميت بعد ذلك في نفس هذا العام باتفاقية كوتونو… بنين ..و قد تم وفق تعديل اتفاقية كوتونو قبول الأطراف بالالتزام بميثاق روما و ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية.. و هذا ما تسبب في رفض السودان لتعديل اتفاقية كوتونو في عام 2010 في اوقادوقو. بوركينافاسو…
.و تعليق السودان للعضوية كلفه تجميد نصيبه في مظروف التنمية المقدم من الاتحاد الاوروبي الي الدول الأعضاء…اي ما يفوق ال 400,مليون يورو..كل ذلك بسبب اصدار مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير ..و إحالة الحالة في دارفور من قبل بموجب ميثاق روما وفق قرار مجلس الأمن رقم 1593 لعام 2005…حيث
إحالة الدول غير الأطراف في ميثاق روما الي المحكمة الجنائية الدولية نصت عليها المادة 13,B في الميثاق ..و التي منحت مجلس الأمن صلاحية إحالة الدول غير الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي…
غير أن عدم العضويه في الميثاق لا يعفي الدول غير الأطراف من انعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ،لانها عضو في الأمم المتحدة و ملزمة بالامتثال لاي قرار يصدر بالتالي من مجلس الأمن تحت الفصل السابع…
و في اعتقادي أن إقحام مجلس الأمن في ترتيبات فيه تسييس للعدالة الدولية. اذ ان المادة الخاصة بالتصويت 27 ميثاق الأمم المتحدة تحصن الدول دائمة العضوية في في مجلس الأمن ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية..إذ نصت علي ضرورة الحصول على موافقة كل الدول دائمة العضوية علي اي قرار يصدر من مجلس الأمن و عدم اعمال اي منها لحق النقض الفينو..و لذلك تم تحصين حليفة امريكا اسرائيل إذ لم يمر تقرير قولدن استون .. من جنوب افريقيا.رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في غزو و حصار إسرائيل لقطاع غزة في عام 2009,,حيث اصطدم عرض التقرير علي مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي رغم أنه اشتمل على جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب في حق إسرائيل و توصية بالإحالة الي المحكمة الجنائية الدولية كما حدث في حالة دارفور لأن اسرائيل ليست طرفا في ميثاق روما.
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية عملت علي تحصين مواطنيها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتي أبان ٱنعقاد مؤتمر روما 1998 .. حيث خاطب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي رئيس وفد امريكا لمؤتمر روما . قائلا..أن اي اتفاقية لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة في غياب فيتو امريكي سوف ترفض في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي….
Any establiment of a permanent international court without a clear US Veto will be dead on arrival at the Senate Foreign Relations Committee
و هذا لعمري أحد أهم عوار النظام الدولي.. one of the main flaws in the international system..
و مرة أخرى حصنت واشنطن مواطنيها و حلفاءها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باستصدارها قرار مجلس الأمن 1422لعام 2002,اى بعد أيام قلائل من دخول الميثاق حيز النفاذ..و لذلك فإن واشنطن تأخذ القانون الدولي ..كما تأخذ المؤسسات المالية الدولية بيدها … شاء من شاء وأبى من أبى..
لعل كل الانتهاكات التي تمت من كلا الطرفين و خاصة الدعم السريع خلال هذه الحرب العبثية ترقي الي جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و جريمة الإبادة الجماعية.المنصوص عليها في الباب الخامس من ميثاق روما… و من بينها قتل المتظاهرين سلميا .. القتل بالقصف العشوائي…حتي جريمة النزوح و التهجير القسري ،العنف الجنسي و القتل بدوافع عرقية .. و استهداف المدنيين و الأعيان المدنية و المراكز الصحية و الكادر الطبي الوطني و الدولي ..و ترويع المواطنين كما حدث مؤخرا من قبل الدعم السريع مدني و ضواحيها..و هي انتهاكات اعترفت بها قيادات الدعم السريع أنفسهم و عدم السيطرة علي عناصرها المتفلتة..
… و لكن كل هذه الانتهاكات سوف تخضع للتوثيق و للتحقق منهاص بواسطة لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مؤخرا مجلس حقوق الإنسان بجنيف..
.و لعل الكثير من منظمات المجتمع المدني و الناشطين السياسيين و المهتمين بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و منظمات حقوقية داخل الوطن مثل محامي دارفور و اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان و لجنة الأطباء المركزية..فضلا عن منطمات دولية و منظمات غير حكومية و على رأسها العفو الدولية و و هيومان رايتس ووش و المفوضية السامية لحقوق الإنسان و المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. و لجنة الصليب الأحمر الدولي…و المفوضية العليا لشؤون اللاجئين و منظمة الهجرة الدولية..و منظمة اليونيسيف و منطمة الصحة العالمية.. و الاتحاد الأوروبي. كلهم قد وثقوا لهذه الانتهاكات ..
الجدير بالذكر أن المساءلة الجنائية الدولية تنعقد علي الأفراد و ليس على الدول وفق ميثاق روما…
…لكن من جهة أخرى ،،، ليس من المستبعد إخضاع السودان للفصل السابع و استدعاء التدخل الدولي أو الإقليمى في حالة استمرار هذه الحرب اللعينة … و رفض الحل السلمي التفاوضي للنزاع..و في حالة استمرار و تفاقم هذه الكارثة إلانسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث…
كما أن المسألة الدولية تنعقد وفق ميثاق روما علي القيادات العسكرية و الأمنية حتي الدستورية الموكل لها أمر البلاد..و لا تطال الجنود أو موظفي الدولة… و تطال القيادات العسكرية في كلا القوات النظامية و غير النظامية…و الرؤساء بصفتهم القائد الأعلى للقوات المسلحة…في كلا الحالتين..أ في حالة أنهم أمروا باستهداف المدنيين و الأعيان المدنية و موظفي الكادر الطبي و العاملين في مجال حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني ب …في حالة أنهم كانوا علي علي علم بحدوث هذه الانتهاكات و لم يحركوا ساكنا للحيلولة دون حدوثها ..هذا ما نص عليه ميثاق روما..و ما يعرف ايضا في القانون الجنائي السوداني بالإتيان بفعل أو الامتناع عن فعل..
.. فضلا عن أن هناك اتهامات و انتقادات طالت المحكمة من حيث تسييسها باقتحام مجلس الأمن في إجراءاتها و بحصر ملاحقاتها القضائية بصفة عامة في افريقيا… حيث تعالت الأصوات في داخل الاتحاد الافريقي بالانسحاب منها ..و من حيث غضها النظر عن الكثير من القادة في امريكا و اوروبا من شاركت بلدانهم في حروب خارجية ارتكب فيها جنودهم جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ،كما هو الحال لتوني بلير و بوش في العراق..فضلا عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و للقانون الدولي الإنساني في سجون ابوغريب في العراق و معتقل غوانتانامو…كما أن المحكمة تفتقر إلى آليات ملاحقة للجناة و تعتمد في تمويلها علي الدول الأطراف.. فضلا عن أن دولا تشكل ثلثا دول العالم مثل الصين و روسيا و الهند و امريكا و اندونيسيا ليست بأطراف في ميثاق روما المؤسس لهذه المحكمة الجنائية الدولية..و دونكم الكثير من مذكرات التوقيف الدولية التي ظلت حبيسة الإدراج.