محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
حكومة الإنقاذ وحكومة الثورة وجهتان لعملة واحدة.
إن مكوث سياسة الكيزان لمدة ثلاثين سنة أثر ذلك بشكل واضح على الخطاب السياسي وذلك يرجع لسببين:
الأول: أن حكومة الإنقاذ لم تجد ممارسة سياسية ناضجة قبلها إذ ان أغلب العمل السياسي كان بيد العساكر حيث حكم عبود ست سنوات، وحكم نميري ست عشرة سنة.
الثاني: عمل الكيزان في فترة حكمهم ليس فقط على التمكين لحزبهم بل زادوا عليه بإزالة كل من ينافسهم بلا أي وازع ديني أو أخلاقي، وشجعهم في ذلك قبضتهم القوية على السلطة، فكانوا يعملون بسيف واحد له اتجاهان تجاه يقوون به أنفسهم، وآخر يقضون به على غيرهم.
هذا العمل ليس فقط أفشل الكيزان بل الأسوأ من ذلك هو أنه غيب العمل السياسي من الوجود.
فحينما أرادت الثورة أن تدافع عن ثورتها ضد الكيزان لم تجد سلاحا غير سلاح الكيزان إذ أن الكيزان قضوا على جميع الأسلحة سواء الموجودة في الواقع أو الموجودة في الأذهان.
لم تجد الثورة أسلحة سوى أسلحة الإقصاء والعداء.
وأسلحة التفرغ لذكر عيوب الآخرين.
وأسلحة سياسة التمكين.
وأسلحة ترك المال في يد أناس كل امكانياتهم أنهم مع الثورة.
هذه هي ذاتها الأسلحة التي كان يستخدمها الكيزان وأكثروا من صناعتها بل إن مصنعهم السياسي ليس له أنتاج غيرها.
جاءت الثورة واستخدمت هذه الأسلحة، وبدلا من أن تكتب عليها الإنقاذ والبشير كتبت عليها الثورة وحمدوك.
الأسلحة البديلة التي كان ينبغي على الثورة أن تستخدمها لكنها كانت معدومة بسبب عمايل الكيزان في العمل السياسي.
هي أسلحة قبول الكل إلا من تثبت ضده عملية جنائية، وذلك بدل أسلحة الإقصاء التي مارستها الثورة مضطرة؛ لأنها لم تجد غيرها فقط مسحت الإنقاذ وكتبت عليها الثورة.
كما كان ينبغي أن تتفرغ الثورة وتنشغل بعيوبها، فهي بلا دستور، وبلا حكومة منتخبة، وبلا أي مشروع اقتصادي يحرك دولاب الدولة.
لم تفعل ذلك وأبدلته بالانشغال بعيوب الكيزان وبعيوب البشير رغم أن إبراز هذه العيوب لا ينتج قمحا ولا يستخرج ماسا لكنها معذورة، فهذه هي الأسلحة التي وجدتها أمامها، فإن الإنقاذ لم يكن لها هم سوى إظهار عيوب الآخرين الذين يقفون ضدها.
جاءت الثورة بسياسة التمكين، فهذا هو السلاح الذي وجدته أمامها، فتجد شخصا مسؤولا رفيعا إبان الثورة ليس له أدنى مؤهلات سوى أنه شيوعي أو بعثي.
فما فعلته سياسة التمكين إبان الثورة كانت قدوتها في ذلك الإنقاذ ليس لأنها تحبها ولكنها لم تجد أسلحة تدافع بها عن ثورتها سوى السلاح الذي تركته الإنقاذ بعد سقوطها.
وذات الحديث ينطبق عن المال العام، فكما ان الإنقاذ جعلته حلالا يلعب به منتسبوها كما يشاؤون بلا ضابط ولا رابط كذلك فعلوا من تبنوا الثورة سلموا أموال الشعب لمن هو مؤيد للثورة بلا رابط ولا ضابط، فهذا هي الثروة التي ورثوها من الإنقاذ.
استخدموها ذاتها بمسميات الثورة.
ماذا يفعلون؟
فالإنقاذ لم تترك سلاحا خلفها غير سلاحها.
وصار النزيه بعد الثورة هو من أخلاقه وضميره وتربيته تمنعه من أكل أموال الثورة.
وهو ذاته النزيه في عهد الإنقاذ، فكل من ابتعد عنها وعن فسادها ليس لأن الإنقاذ تدعو لذلك بل لأن مخافته لربه وتربيته تمنعه من ذلك.
إن المقالات التي تتحدث اليوم عن شيطنة الكيزان لم تعلم أنها وقعت في ذات الشيطنة.
تلك الشيطنة التي لم تسلم منها الثورة نفسها.
الثورة التي تبنت كل أسلحة الإنقاذ فقط بأسماء مختلفة.
فمن يقول أنه يختلف مع (قحت) إلا أنه لن يؤيد اختلافا لا يسنده دليل.
أليس هذا هو أسلوب الكيزان؟
كان لك أن تطبق هذا النهج على الكيزان أيضا؛ لتقول عنهم أنك مختلف معهم إلا أنك لا تدينهم إلا بدليل.
لا ينبغي لك أن تمارس الحق مع فئتك فقط وتمنعه وتحرمه على الآخرين، فهذا هو اسلوب الكيزان، وليس أسلوبا عارضا حتى يتجاوزه من يدعم فقط قحت دون غيرها بل أسلوب امتد بكل قوة ودعم لمدة ثلاثين سنة لدرجة أنه يمكن أن يكون صاحب هذه النظرة لم يدخل المدرسة بعد.
فمن يقول بذلك أثبت أنه كوز دون أن يشعر.
ولم يفعل سوى أنه مارس سياسة الكيزان ليس مع الإنقاذ بل مع قحت، ليقوم بذات النهج ولم يفعل سوى أنه غير الاسماء.
وهذه الظاهرة ليس سببها فلان أو علان.
وليس سببها وجود الثورة أو عدم وجودها.
سبب ذلك كله هو أن الساحة خلت من أي سلاح يقوي الثورة سوى السلاح الذي خلفته سياسة الإنقاذ.
فإن كان من سبيل لإعادة الثورة لشعاراتها ولقيامها بواجبها كما ينبغي، فما من سبيل إلا بإبدال الأسلحة الموجودة في الساحة بأسلحة أخرى ضدها وعكسها.
فكما أن الثورة قضت على جسم الإنقاذ، فلا بد لها حتى تصبح ثورة تنعكس شعاراتها على الواقع، وحتى لا تصبح نسخة مكررة من الإنقاذ لا بد لها أن تزيل جميع أسلحة الإنقاذ من الساحة.
وإلا ستعيد ذات التجربة فقط بسميات مختلفة.
الرئيسية / الاعمدة / محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: حكومة الإنقاذ وحكومة الثورة وجهتان لعملة واحدة.
شاهد أيضاً
*قسم بشير محمد الحسن يكتب :* *افرازات تدهور العملة السودانية امام العملات الاجنبيه !!!*
*قسم بشير محمد الحسن يكتب :* *افرازات تدهور العملة السودانية امام العملات الاجنبيه !!!* مازالت …