محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح:
عن ماذا أكتب؟!
سأل أحدهم لماذا لا تكون كتابة المقالات مستمرة وبلا توقف عن أحداث السودان؟
فلفت هذا السؤال الانتباه بأن الكتابة مثلها مثل الكائن الحي تنشط وتكسل تصح وتمرض تتفاءل وتتشاءم تحزن وتفرح، وفي كل مرة تعبر عن هذه المشاعر المتقلبة إلا أنها تأتيها لحظة صمت كما تأتي ذات هذه اللحظة للإنسان.
تشعر بعمق ألا شيء يستدعي الكلام.
لا شيء يستدعي الكتابة، فكل طاقة تحرك الكلام والكتابة قد جفت.
هكذا كان الرد حينما سئل عن عدم الاستمرار في الكتابة.
وليس الكاتب وحده من يصيبه داء الصمت بل حتى المستمع أو القارئ يحتاج لمناخ يسمع أو يقرأ فيه، فإن كان انقطاع شبكة الاتصالات حرمه من أهم الأخبار التي ينتظرها بفارق الصبر عن أهله وعشيرته، فهل يلتفت هذا الشعور لمقال كتب أو مقال فقد؟!!
تصبح الكتابة في هذه الحالة وفي هذا الظرف ليست ترفا فقط للمتلقي بل تصبح بالنسبة له في عالم النسيان لا يتذكرها.
فخلو الساحة من الكتابة ليس شعور ينتاب الكاتب فقط بل كذلك شعور ينتاب القارئ، فكلاهما نفسيته أسوا من الآخر.
فمن كان يتكئ على تداعيات الثورة وعلى التغيير ويرمي عليهما جل آماله وآلامه لم يعد أثرا لهذه الثورة، ولهذا التغيير، فقد أصبح أثرا بعد عين ليس على محيط الأحداث فقط للأسف بل حتى على مستوى الآمال والتطلعات.
أصبحت هذه الثورة وهذا التغيير وكأنه حلم استيقظ صاحبه؛ ليرى أن كل ما يدور في الواقع على عكس ما كان يتوقع ويأمل.
فلا الشعار هو الشعار، ولا الثوار هم الثوار، ولا الخطاب الثوري هو الخطاب، ولا المواقف هي المواقف.
فإن وقف اليوم كما كان يفعل بالأمس ضد من يرفض ويعادي الثورة لم تعد له طاقة وقناعة يقف بها أمام هذا العدو اليوم.
فعلى ماذا يهاجم أعداء الثورة؟
يهاجمهم وقد عجز وضعف من تبنى الثورة وشعاراتها؟!
يهاجم عدوها وهذه هي النتائج الوخيمة التي لزمت الثورة؟!
فبعد أن كان الناس يحلمون بحياة رغدة وسهلة وكريمة وجدوا أنهم فقدوا الحياة بأسرها.
يهاجم عدوها حينما ثار رافضا الأمن المشبوه والمخلوط بتشبث أصحابه بالسلطة وباستغلال موارد البلد أمام فقدانه لهذا الأمن برمته، ولم يعد يجده في بلاده، وأخذ يبحث عنه خارج بلاده؟!!
وهكذا نتيجة لكل ما حدث أصبح صاحب الثورة بلا طاقة يهاجم بها أعداءه.
أي طاقة يهاجم بها؟!
وأي طاقة يدافع بها عن من يحملون لواء الثورة؟
بعد كل هذه النتائج الوخيمة لم يعد لمساند الثورة قلم يكتب به أو لسان يعبر به عن كل تلك الآمال والآلام التي رماها على عاتق الثورة.
كما أن حديثه عن جيش وطني يحمي البلاد والعباد لم يعد له كذلك طاقة يتحدث بها عنه، فهو إن تمسك بنصره وفوزه فها هو ذ ذا شهر رمضان الكريم حل؛ ليذكره بأن هذه الحرب أكملت الحول، وليس هناك من بارقة ضوء تشير إلى انتهائها.
وإن هاجم الجيش، فطول أمد الحرب جعله لا يعرف لهذا الجيش بديلا لا من داخله ولا من غيره.
وبالتالي إن وقف مع الجيش فاستمرار هذه الحرب التي أوشكت على إكمال العام تحبطه وتخرصه عن كل قول.
وإن وقف ضده، فلم يعد ثمة أمل عن بديل مقنع لهذا الجيش وإلا لكان ظهر هذا البديل بعد هذه الفترة الطويلة للحرب.
فالحديث عن (نعم للحرب) لم يعد يجدي كما أن الحديث عن (لا للحرب) لا أحد مستعد لسماعه.
فصار اتخاذ موقف عن الوضع وما يخالفه سيان.
فأصبح منشد التغيير والذي كان يعج طاقة في داخله يقف موقفا صامتا مشدوها ينظر ماذا تخفي له الأيام أكثر مما أظهرت له.
فلا الثورة هي الثورة ولا الجيش هو الجيش سواء بسلمه أو بحربه.
عن ماذا يتكلم؟
وقد بلغت الأزمة الحول؟
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
اللهم إنا نسألك بألا تؤاخذنا بجهلنا كما نسألك بألا تكلنا على قلة حيلتنا.
اللهم أبرم لأهل السودان أمر رشد يستقر به الحال وتحفظ به الأرواح وتعود به البلاد لأمنها واستقرارها.
فإنك تعلم ولا نعلم، وإنك تقدر ولا نقدر يا عزيز يا كريم.
شاهد أيضاً
*د. الفاتح يس:* *تعقيب على تصريحات الأمين التنفيذي للأمم المتحدة*
*د. الفاتح يس:* *تعقيب على تصريحات الأمين التنفيذي للأمم المتحدة* الأمين التنفيذي لإتفاقية الأمم المتحدة …