محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
من لم تردعه الموعظة، فسوف تردعه العقوبة
سنن الله في خلقه ماضية.
يتغير الخلق ويتغير الزمن وتتغير الأحداث إلا ان السنة الإلهية باقية وحاضرة تتكرر في كل عهد وفي كل زمان، ولا تتغير سوى المشاهد.
اقتضت سنة الله أن ينذر الطغاة والظلمة بالنصيحة وبالحسنى لا من أجل أن يتراجعوا ويكفوا عن غيهم وظلمهم، فرب العزة أعلم بعدم استجابتهم للحجج والمواعظ، وإنما يسبق عليهم الحجة والموعظة من أجل إقامة الحجة عليهم من أجل أن يدرك هؤلاء الظلمة طلاب السلطة أن الله أنزل عليهم عقابه لا بسبب ظلمه، فهو العادل أو بسبب جهله فهو العالم.
وإنما بسبب إثبات الحجة عليهم.
بسبب أن التعنت والإصرار على الظلم والبطش والطغيان عواقبه وخيمة.
وكما أن هذه الحجج والاختبارات يهلك الله بعدها أقوام ويزيل بها ملكهم وطغيانهم إلى الأبد، فهي كذلك تنجي ويستهدي بها آخرون.
فنهاية قوم نوح عليه السلام دليل على سنة الله في خلقه.
ونهاية فرعون مع موسى عليه السلام دليل على سنة الله في خلقه.
ونهاية قارون مع قومه دليل على سنة الله في خلقه.
نهاية النمرود مع إبراهيم عليه السلام دليل على سنة الله في خلقه.
نهاية قوم لوط عليه السلام دليل على سنة الله في خلقه.
وكذلك كل الأنبياء ومن أرسلهم الله إليهم تظهر هذه السنة الإلهية بجلاء ووضوح شديدين.
بل حتى على مستوى الأفراد، فإن الله ينذر عبده مرات ومرات، فإذا لم يرعو ويرجع إلى الجادة عاقبه الله شر عقاب.
ووفقا لهذه السنة الإلهية؛ فلننظر للنظام البائد وحكمه في السودان لم تترك السنة الإلهية اختبارا إلا وعرضته عليه بينما لم يزد رواده مع كل اختبار إلا تمسكا وإصرارا على الحكم.
عرضت السنة الإلهية التجاوزات والفساد الذي مورس من خلال تقوية المفسدين بالنظام، ومن خلال جعلهم النظام ظهرا وسندا لهم، فلم يعمل النظام إزاء هذا الفساد على تغيير طريقة حكمه، ولم يعمل أي خطوة لمعاقبة أو وقف مجرمي النظام.
بل كان هو جزء من الإجرام والمحرك والمقوي له
وجعل من هؤلاء المجرمين وكأنهم يمنحونه القوة والطاقة للاستمرار في الحكم.
عرضت السنة الإلهية كذلك اعتراض عراب النظام الشيخ حسن الترابي على الوضع القائم بحيث وضع النظام بين خيارين إما أن يحسم الفساد ويعمل على إنهائه ومحاربته أو يفقده هو وينسحب منه، فاختار النظام وبلا تردد شهواته ونزواته ومؤيديه ومطبليه، ولم يعبأ بعرابه بل أودعه السجن وحارب تياره أشد محاربة.
عرضت السنة الإلهية لعب أقارب الرئيس بمؤسسات الدولة ومشاريعها الاستثمارية مستغلين منزلتهم ومكانتهم في كل المجالات.
فما من مستثمر أجنبي أو وطني يريد أن ينجح استثماره إلا يجعل أحد أقرباء الرئيس في الواجهة، فمن جهة يسهل له كل معاملاته أو من جهة أخرى يمرر له كل التجاوزات التي يمارسها سواء عبر الصادر أو الوارد.
عرضت السنة الإلهية الإعلام بكافة أنواعه؛ لمراقبة ومتابعة المفسدين والمرجفين، فبدلا من أن يحارب النظام ما يظهره ويكتشفه الإعلام فعل العكس حيث عمل على مهاجمة الإعلام الذي يكشف له الفساد وسلط عليه جهاز أمنه وكلابه ووقف له بالمرصاد.
بل جمع قبيلة الإعلام بكل ألوان طيفها في قاعة مغلقة وهددهم وأنذرهم بأن أقارب الرئيس خط أحمر.
بلغ السيل الزبى فأحدث الثورة وجاء الثوار بكل فئات المجتمع ومناطقهم؛ لتنذر هذا النظام وتوقظه من المستنقع الذي ولغ فيه، فلم يزد هؤلاء الثوار النظام إلا إصرارا وتمسكا بحكمه.
فلم تترك السنة الإلهية اختبارا ينذر النظام بأنه يسير نحو الهاوية وبأنه يوسع من المجرمين والمفسدين، ويبعد كل مصلح وكل من له غيرة على البلد لم تترك اختبارا إلا وعرضته عليه، فما كان منه إلا أن قابله بالرفض والإنكار والجحود، ولم ير أمامه سوى سلطانه وحرصه وتمسكه بحكمه.
فلم تبق سنة إلهية يمكن أن تزيل النظام إلا ومر بها النظام البائد.
مما جعل هذا الإصرار والتعنت أن يوجد وينتج الحرب مباشرة.
فجاءت الحرب تجرر أذيالها كنتيجة طبيعية لتعنت وتمسك النظام البائد بوجوده.
هذا الوجود الذي أصر عليه حتى بعد سقوطه.
ولسخرية الأقدار، فإذا بالحرب تخرج بأناس من رحم النظام ومن صنعه هو وهي مصيبة تسمى الدعم السريع تنادي ليل نهار بإزالته، ولا هم لها سوى أن تنادي بإزالته وما من شيء جعلها تخوض هذه الحرب سوى القضاء على هذه الطغمة، وهكذا سلط الله على أهل السودان الدعم السريع لإصرار النظام البائد على وجوده وعلى حكمه البلد، ولعجز اهل السودان من إزاحته.
فظهر الدعم السريع بطاقة لا هم لها سوى أن تنادي بهلاكه.
للدرجة التي أفرغت كل غضبها على أهل السودان جميعا، فجعلت كل من لا يقف معها كوزا يجب إزالته
فهكذا جاءت الحرب؛ لتكون نتيجة لإصرار طغمة على السلطة لم يثنها أي اختبار عرض عليها منذ أن جاءت عام ١٩٨٩م.
طغمة تسير كما القطار بل كما الغول تدعس كل من يريد أن يوقفها أو يمنعها من الاستغلال والفساد الذي تمارسه في البلد.
وبما أن الإرادة الإلهية أرادت ان تنهي هذه الحالة التي ألمت بالسودان جاءت الحرب.
هذه الحرب التي ما زالت تستولي على القصر من كل جوانبه هذا القصر الذي أبت نفوس وشهوات مريضة أن تخرج منه.
فإذا تم النظر إلى الحرب الدائرة في السودان، وتم ربطها بتمسك أصحاب النظام السابق بنظامهم وإصرارهم على فرضه على أهل السودان علم أن هذه الحرب صارت قدر السودان، فما من شيء أوجده الله بلا سبب.
نسأل الله أن يخرج الله منها أهل السودان بزوال هذا النظام للأبد كما نسأله سبحانه وهو القادر عل كل شيء ألا يزيل بهذه الحرب السودان.
وألا يعاقب أهل السودان بجريرة هؤلاء الظلمة الذين يريدون ويصرون على أن يحكموا أهل السودان رغم أنوفهم.
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فإن لم تثنهم هذه الحرب كذلك عن جبروتهم وصارت مثلها مثل الاختبارات السابقة، فلم يبق سوى ضياع السودان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.