بخاري بشير يكتب: خارج الإطار :
مفاوضات جنيف.. بين التدخل الدولي والمصلحة الوطنية!!
عندما قبلت الحكومة السودانية الدخول في مفاوضات جدة بعد اول اسبوعين من اندلاع حرب أبريل القذرة.. كان هدفها الأول والرئيس أن لا يضار الوطن ولا المواطن .. ذهب الوفد السوداني الذي يمثل الجيش الوطني إلى مدينة جدة، ودخلت الحكومة في لجة المفاوضات، وخرجت جدة بإعلان مبادئ في الحادي عشر من مايو ٢٠٢٣، اي قبل أن تكمل الحرب شهرها الاول، لكن تعنت مليشيا الدعم السريع كان سببا في انهيار التفاوض، عندما رفضت تنفيذ هذه المبادئ.. التي تقوم في أساسها على الخروج من الأعيان المدنية وبيوت المواطنين.
عجز المجتمع الدولي الراعي لمفاوضات جدة واعني هنا الوسطاء (الولايات المتحدة والسعودية) في الضغط على المليشيا، فأغلق باب التفاوض من جديد، ومضت امريكا إلى عدم وصف الدعم السريع بالمتمرد، أو بالفئة الباغية، واستسهلت استخدام عبارة (الطرفين) التي وضعت المليشيا في مرتبة واحدة مع الجيش الوطني وهي كانت جزء منه ثم تمردت عليه، ومعلوم أن أي فئة أو جماعة من الجيش تقوم بتنفيذ تمرد يتم قتالها حتى تعود إلى رشدها، وان جنحت للسلم يتم الجلوس إليها لتحديد ضوابط وشروط وطريقة التفاوض حتى تحل الأزمة ويصل الجميع للهدف الأسمى وهو وقف التمرد ومعاقبة القائمين عليه.
انتهت جدة وواصلت الحرب استعارها، وزادها اشتعالا دخول أطراف دولية كداعم رئيسي للمليشيا ومدها بالسلاح والعتاد والأموال، وفي المقابل تآمروا على الحكومة الشرعية التي يمثل عمادها الجيش الوطني، الذي واحد من أهم مهامه الرئيسية حماية البلاد من اي تمرد داخلي، أو عدوان خارجي، واستمرت فصول الحرب لتكون أعلى كلفة بالنسبة للمواطن السوداني.
وبعد إعلان مبادئ جدة دخلت المليشيا لولاية جنوب دارفور، وزالنجي والجزيرة مدني وسنجة والدندر، وتمدد الأذى وتضخم الانتهاك الممنهج ضد المدنيين، فحدثت اكبر موجة نزوح يشهدها العالم، حيث نزح قرابة ال ١١ مليون شخص من مناطق المواجهات، لأماكن أكثر أمنا في بقية الولايات أو إلى خارج حدود السودان، وصارت شهور الحرب التي أعقبت رفض المليشيا الإذعان لاتفاق مبادئ جدة هي الأسوا في تاريخ الشعب السوداني، الذي واجه صنوف من الانتهاكات وثقتها كاميرات الإعلام الدولي وعيون شهود العصر من المواطنيين.
وأصبحت هذه الشهور هي الأكبر كلفة بالنسبة للحكومة حيث دمرت المليشيا البنية التحتية للدولة وإصابت دولاب العمل بالشلل الكامل، ودخلت ولايات كانت من الولايات المنتجة إلى ولايات يتهددعا شبح الجوع وتقف على أبوابها المجاعة.
ثم يأتي اخيرا ذات المجتمع الدولي ليقترح منبرا جديدا للتفاوض، ويفشل في أن يدين سلوك المليشيا طيلة الشهور المنصرمة.. ولكن الدولة العاقلة والراشدة، لا ترفض التفاوض كمبدأ ولكنها تضع شروطها اللازمة التي تحقق مصالحها ومصالح مواطنها، وأول هذه الشروط هو القبول بالمنبر الجديد اذا بدا من حيث انتهت جدة، وقد أشار بيان الخارجية الأمريكية الخاص بالدعوة لمحادثات جنيف، الى أن المنبر الجديد يبني على مخرجات منبر جدة .. ومن هنا نقول إن واحب الحكومة أن تحدد موقفها سوى كانت بالرفض أو القبول.. وندعوها لتدخل بوابة جنيف للتفاوض بشروطها هي لا بشروط المجتمع الدولي او مناصري التمرد .. الشروط التي تحفظ حقوق السودانيين وتحقق المصلحة الوطنية العليا، ولا يهم مطلقا مكان التفاوض أو زمانه.. وكنت ساكون سعيد جدا اذا قبلت الحكومة بمنبر جنيف ليس بديلا لجدة ولكن لينطلق من حيث وقفت جدة، ثم كنت لأكون أكثر سعادة اذا رفضت الحكومة، مشاركة دولة الإمارات في هذه المرحلة من التفاوض باي مسمى كان.. لاعتبار أن هناك شكوى مقدمة ضدها من السودان في مجلس الأمن.
لتذهب الحكومة إلى منبر جنيف، ولتضع شروطها التي تحمي حقوق السودانيين، لان هذا الشعب لن يقبل بتفاوض يعيد المليشيا مرة أخرى، ولن يقبل هذا الشعب بتفاوض لا يعالج الكلفة العالية للحرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والشخصي .. وأعتقد أن الشعب الذي تضرر كل هذا الضرر هو شريك أصيل في وضع شروط التفاوض، فهو وحده الجهة الشرعية المفوضة لوضع إطار التفاوض ، ولا يستطيع حتى الجيش السوداني أن يتجاوز شعبه، وهو يخطو نحو جنيف.