عثمان جلال يكتب:
بابكر فيصل وعجز القادرين على التمام
(١)
في تعقيب الأخ بابكر فيصل رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي لسردية الدكتور الدرديري محمد احمد المتماسكة والتى يرى فيها ان حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣م تمثل اللحظة التاريخية الحرجة لمؤامرة توطين عربان الساحل الافريقي في السودان، وأطراف هذه المؤامرة هم اوروبا خاصة فرنسا والامارات ، وعربان الشتات ، ومليشيا ال دقلو وقوى الاتفاق الاطاريء
حيث تراكمت فصول هذه المؤامرة منذ العام ٢٠٠٧ عندما أسس حميدتي مليشيا الوعد الصادق ، ثم اتخذت ابعادها الدولية والاقليمية بعد تعاون حميدتي عام ٢٠١٤ مع الاتحاد الأوروبي في عملية الخرطوم للحد من الهجرة غير الشرعية لأوروبا ، ثم تدفقات عربان الشتات في حرب عاصفة الحزم ٢٠١٥ ضد الحوثيين حتى غدا حميدتي ايقونة تعبر عن تطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية.ثم مرحلة النضج بعد الصعود الدراماتيكي لحميدتي في منصب الرجل الثاني في الدولة بعد عام ٢٠١٩.
زعم الاخ بابكر أن قوى الاتفاق الاطاريء بريئة من المؤامرة وأن المؤتمر الوطني يتحمل تبعات التأسيس والسلوك الناتج عن مليشيا الدعم السريع منذ لحظة الميلاد الاولى كقوات حرس الحدود ٢٠٠٣،ثم قوة تابعة لجهاز الامن ٢٠١٣، ثم قوة نظامية مستقلة وفق قانون عام ٢٠١٧.
(٢)
هذا زعم فيه قدر من المنطق ولكن الأخ بابكر يدرك ان الفعل السياسي لا يتجمد عند محطة تاريخية ثابتة بل يتراكم ، وإلا فان انفصال جنوب السودان كانت قد تجمدت دوافعه خلال الفترة من ١٩٤٧م إلى ١٩٥٨م نتيجة التنكب عن انفاذ مخرجات مؤتمر جوبا ١٩٤٧ وبسبب نفور الجنوبيين للمباديء المؤسسة للاتحاديين والمتمثلة في الإيمان العميق بالاتحاد مع مصر وان مصر تشكل امتدادهم الثقافي والديني والوجداني بتعبير خضر حمد في مذكراته ومعلوم ان الزعيم الازهري أول رئيس وزراء بعد الاستقلال الوطني لم يعر أدنى التفاتة لمطالب الجنوبيين ورفض تعينهم في وزاراته بل واكتفت لجنة السودنة يوليو ١٩٥٤ بتعيين ستة فقط من أبناء الجنوب لأكثر من ٨٠٠ وظيفة وهذا التراكم أدى لتمرد توريت اغسطس ١٩٥٥ . وهل قضية الجنوب إلا صورة انبثقت منها كل صور الاشعة المسرطنة لما تعانيه الدولة السودانية من اختلالات سياسية واجتماعية وهوياتية بنيوية .؟؟
(٣)
يدرك الاخ بابكر ان الرئيس البشير اسس مليشيا آل دقلو بعد انسحاب القوى العضوية الصلبة للاسلاميين عن مشروع دولة الانقاذ وانحيازهم لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي ولكن بعد دورهم المشهود في ثورة ديسمبر ٢٠١٨م نزع حزب بابكر الاوزوني إلى تصنيفهم جماعة إرهابية تمهيدا للاعدام السياسي. ايضا يدرك الأخ بابكر ان مليشيا آل دقلو أسوأ مخلفات نظام الانقاذ، والمهدد الاستراتيجي لقضايا البناء الوطني والديمقراطي، وكان يجب حلها قبل مغادرة الثوار لميدان الاعتصام ، ولكن فجأة تحول حميدتي عند بابكر من مهدد للثورة الي حاميها وحامي ثوارها كما صرح بذلك جهارا.
هذا التناقض الفكري وحالة القناع والوجه للنخبة السودانية آفة قديمة استبشعها الاستاذ أحمد خير المحامي في كتابه كفاح جيل إذ يقول: (وهل كان الخريجون في مناهضتهم للزعماء الدينيين مدفوعين بغريزة المنافسة لانتزاع القيادة منهم ؟ ولكن سرعان ما انسحبوا وتنكروا مبادئهم عندما مدت إليهم الطائفية أيديها وارتبطت مصالح زعمائهم معها شأنهم شأن الانتهازيين ، يبدأ حياته مكافحا عن الحرية والمثل العليا ، حتى اذا ما أرضى طموحه الشخصي انخرط في سلك المؤيدين والجلوس في مقعد وثير في صفوف الهيئة الحاكمة يسبق اسمه لقب وتتبعه رتبة)
(٤)
يدرك الأخ بابكر ان قوى الحرية والتغيير كانت تملك ناصية الالهام والفعل الثوري للضغط على قيادة الجيش السوداني لتسريح ودمج مليشيا الدعم السريع ، والتشبث بعدم التفاوض حول مهام المرحلة الانتقالية الا مع مؤسسة عسكرية موحدة في التراتبية الهرمية والقيادية ،ولكنهم ارتضوا الاياب بغنيمة السلطة بدءا من هتافهم الشعبوي حميدتي الضكران الخوف الكيزان.ثم صمتهم الشنيع على جريمة فض حميدتي لاعتصام القيادة منذ يونيو ٢٠١٩م حتى انفضاض الشراكة في اكتوبر ٢٠٢١م. ثم وقعوا معه الوثيقة الدستورية أغسطس ٢٠١٩م. وسلموه ملفات السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية ثم صمتوا على تضخم امبراطوريته العسكرية والاقتصادية والسياسية والاشنع ان بابكر وجماعته ورثة جميعة ابوروف الثقافية ومؤتمر الخريجين نصبوا حميدتي ايقونة الديمقراطية والدولة المدنية ، وأوهموه أن مليشيته العطاوية تشكل النواة الصلبة للجيش السوداني ، ثم وقعوا معه الاتفاق الاطاريء وليتهم توافقوا معه على إنجازه بالادوات السياسية والجماهيرية المجربة بل رفعوا شعار يالاطاريء او الحرب، ثم حرضوه على استلام السلطة بالقوة الغاشمة وبعد أن فضح الاعلام الأوروبي والأمريكي فصول مؤامرة آل دقلو والامارات وقوى الاتفاق الاطاريء، وتكشف أمام راعي الضأن في الخلاء ان تحالف تقدم ومليشيا آل دقلو روح واحدة شريرة في جسدين ينزع بابكر وزمرته إلى تغليف الحقائق في كستبانة التدليس بدمغه للاسلاميين باشعال الحرب بينما الاسلاميون يتصدون مع الجيش والشعب لاحباط اكبر مؤامرة مهددة للوجود السوداني.
(٥)
عندما جاء الوليد بن الوليد بن المغيرة ليعلن إسلامه أمام النبي صلى الله عليه وسلم سأله النبي وأين خالد ؟؟ وعندها كتب الوليد لاخيه يخاطبه كقائد يمتلك عقلا راجحا ووجدانا سليما يمايز بين الحق والباطل وعندها استقام الميسم على النحو الذي تعلمون.
والأخ بابكر يملك ذهنا نشطا وفكرا ثاقبا يأنف ان يكون حصان طروادة لقوى الشر المتربصة بكيان ووجود الدولة السودانية ، لذلك لا يزال فينا مرجوا للانحياز مع الشعب والجيش في معركة الشرف الوطني. وقديما قال مارتن لوثر كنج (أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يبقون على الحياد في اوقات المعارك الاخلاقية العظيمة).
الثلاثاء: ٢٠ أغسطس ٢٠٢٤م