محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
لا قدسية لحاكم
لا أدري من أين جاءتنا هذه القيم التي تنادي بأن الحاكم خط أحمر.
نفهم أن تكون هذه القيم صادرة من الحاكم وحاشيته، وممن يطبلون له، ومن جهاز أمنه.
لكن أن تصبغ هذه القيم بصبغة دينية، وينادى بها بأنها من الدين، فهذا فضلا عن كونها ستجعل الحاكم يتمادى في ظلمه وطغيانه.
فهي تسيء أكثر حيث تؤدي إلى تشويه هذا الدين.
فإن كانت العلمانية تعزل الدين عن السياسة متأثرة بالفلسفة الغربية.
فما أدري دعاتنا متأثرين بأي مصدر في كونهم جعلوا الحاكم مقدسا لا أحد يقرب من نقده أو لا أحد يعترض على سياسته؟
سواء من باب المناصحة أو من باب توعية هذا الشعب.
حتى لا يفتتن في دينه.
فهذا الحاكم الضلالي إذا ظل ينادي الشعب بأنه يرجو بسياسته دين هذا الشعب ودنياه، وفجأة اكتشف الشعب أن الحاكم يريد سلطة وجاها وثروة.
أليس في هذا فتنة في دينه؟
لا شيء يضمن للشعب حياته سوى الفهم الصحيح لقيم الدين.
هذا الفهم الذي ينصف الحاكم إن كان عادلا، وينسف بحكمه إن كان فاسقا.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) سورة النساء آية رقم ٥٩.
حيث جاء الفعل (أطيعوا) في الآية الكريمة مكررا مرتين مرة مع لفظ الجلالة، ومرة مع الرسول، وذلك لكونهما مصدرا التشريع.
أما ولي الأمر فتم عطفه في الآية الكريمة على الرسول.
ولم يأت الفعل (أطيعوا) معه.
مما يعني أن طاعة ولي الأمر تابعة لطاعة الرسول، وليست قائمة بذاتها.
وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:
(أعظم الجهاد عند الله كلمة حق تقال عند سلطان جائر)
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يتهاون إطلاقا في حد من حدود الله.
بينما كان لا يقتص لنفسه.
فقد جاءه ذلك الشقي يوما وقال له:
أعدل يا محمد، فإنك لم تعدل.
فما زاد عليه رسولنا الكريم إلا أن رد عليه بقوله (ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل)
فالشاهد في الحديث الشريف أن رسولنا الكريم لم يقم حدا على هذا الشقي.
لكون أن مهاجمة الحاكم ليس فيها حدا، ولو كان هذا الحاكم رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
وذلك الرجل الذي قال لعمر الفاروق رضي الله عنه اتق الله يا عمر فقال له عمر لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها.
فالشاهد من هذا السرد هو أن الحاكم ليس له أي صبغة قدسية في ديننا الإسلامي.
فهو يحاسب مثله مثل أي شخص.
هذه الصبغة القدسية التي ارتبطت بالحاكم ليست من الدين في شيء.
وضعها فقط من يريد أن يطغى على الشعب وأن يتسلط عليه.
تبعه في ذلك طلاب الدنيا وعلماء السلطان.
ديننا دين معتدل.
أي نعم لا يجوز أن يعصى الحاكم في قوانين الدولة وأنظمة البلاد.
ولا يجوز أن تمس هيبة الدولة ومكانتها.
لكن أيضا لا يتم هذا الحكم بالنسبة للحاكم على إطلاقه..
الإطلاق يشمل فقط كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ما عداهما كما قال الإمام مالك:
الكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر يقصد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكل عمل يقوم به الحاكم يقاس بمقياس الدين والشرع والعدل، فإذا وافقهما يسلم به وإلا فلا.
وليس بالضرورة عند القيام بتفنيد عمل الحاكم يعني الخروج عليه أو زعزعة أمن البلد.
وإنما تقييم عمل الحاكم يرجع لعدة أسباب:.
* لعل أهمها هو أن لا طاعة ولا تسليم ولا خنوع مطلق إلا لله ورسوله.
* مراقبة الحاكم في أن سلطته ليست مطلقة، وأن ما يقوم به كما أنه معرض للصواب فهو كذلك معرض للخطأ.
* تحاشي انفجار الشعب، فملاصقة الشعب بحاكمه بحيث يدعمه في صوابه، ويراجعه في خطئه من أهم أسباب تلاحم الشعب بحاكمه.
هذا التلاحم أفضل من تلك الانتخابات الصورية.
وأفضل من تلك الحشود المصنوعة، والتي لا تفرخ سوى الدجالين والمطبلاتية والمفسدين وعديمي الضمير.
* مراقبة الحاكم تشحذ المسؤولية، وترفع من مستوى الرأي العام وتزيد من انتماء الناس ببلدانها.
* ارتباط العلماء بقضايا الأمة لا بحكامها مدعاة لتمسك الناس بدينهم.
فالعالم الرباني هو الشعلة التي تضيء للأمة حياتها، فإن انطفأت وجلست كالظل للحاكم أضاعت بذلك دين الأمة ودنياها.
* حينما ينادي هؤلاء العلماء الربانيين بطاعة ولي الأمر حينئذ تسمع لهم الأمة، وتقدر الظرف الذي يمر به حاكمها أو المؤامرة التي تحاك ضده من أعداء الخارج.
أما إذا كان هؤلاء العلماء مجرد أبواق للحاكم بحجة أن هذا من الدين، فإن المؤامرة على هذا الحاكم ستكون مؤامرتين مؤامرة من الداخل ومن الخارج.
ستكون معارضة من الداخل ومن الخارج.
فالله خلق هذا الإنسان مختارا لا مجبرا، وإن أراد لفعل.
شاهد أيضاً
*د.محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *هذا ليس من الكرم في شيء*
*د.محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *هذا ليس من الكرم في شيء* أغيثوا المنكوبين …