*محجوب مدني محجوب يكتب:*
*إن أريد الإصلاح:*
*الإعلام المشوه!*
هناك ثلاث حالات للإعلام في تعامله مع الحكومة.
الحالة الأولى: هي حالة تعكس ممارسة الحكومة لشؤون البلد حيث يظهر هذا الإعلام مؤيدا وداعما لها، فهو يقوم بدور التبصير لما تعمله الحكومة فقط، وبالتالي ليس من عمله إطلاقا أن يقول هذا صواب وهذا خطأ في عمل الحكومة بل الكل صواب مادام هذا العمل أقرته الحكومة.
الحالة الثانية: هي حالة مستقلة عن الحكومات باعتبار ان الإعلام مؤسسة قائمة بذاتها تحكم حسب مقاييسها هي للعمل الحكومي.
يشمل هذا التقييم جميع أركان الدولة من رأسها إلى أصغر موظف فيها.
ولعل هذه الحالة تمثل الوظيفة المهنية للإعلام.
الحالة الثالثة هي الحالة الغريبة حقا فهي الحالة التي لا تربد أن تدعم برنامج الحكومة بشكل كامل مثل الحالة الأولى، ولا تريد أن تأخذ موقفا مستقلا تقيم به العمل الحكومي.
المفارقة التي تقع فيها هذه الحالة هي أنها تتحاشى رأس الهرم في الحكومة على أن تسلط قلمها على التجاوزات التي تحدث تحت رأس الهرم.
فهذه الحالة غير كونها أبعد ما تكون عن إمساكها بالحقيقة.
فإن أي تحليل لها أو هجوم بمعزل عن خطة ومشروع رأس الهرم فهو بمثابة الحرث في البحر.
لأنه لا أحد صنع برنامج وزارة المالية سوى رأس الهرم.
لا أحد عزل مدير عام ديوان الضرائب سوى رأس الهرم.
لا أحد يتعامل مع دولة الإمارات وفي ذات الوقت يهاجمها سوى رأس الهرم.
لا أحد يبعث بالمفاوضات سرا إلى اليمامة سوى رأس الهرم
لا أحد ماسك بزمام الحرب ومانعها من الانطلاق لحسمها سوى رأس الهرم.
فالذي يمسك قلمه وهو من الذين يطبلون لرأس الهرم سواء خوفا أو طمعا لا حل له سوى إحدى خيارين:
إما أن يقف مع هذه الحكومة جملة وتفصيلا بحيث يمدح ما تقوم به وينكر ما تغض الطرف عنه أي ينتهج نهج الحالة الأولى.
على اعتبار التسليم بأن كل ما تقوم به الحكومة هو الأمر السديد.
أو يضع الأمور في نصابها بحيث يرجع سياسة البلد إزاء وزاراتها لرأس الهرم.
يرجع الموقف المضطرب لعلاقات السودان الخارجية لرأس الهرم.
أما أن يمسك القلم ليطعن في ظل الفيل ويترك الفيل، فهذا لا يعدو أن يكون استهلاكا إعلاميا لا أكثر.
إن القلم السوداني الذي يدعم الحكومة يغلب على موقفه أنه صار بين بين لا هو سلم نفسه للسلطة ينشر ما تريد ويغض الطرف عما لا تريد، ولا هو كذلك يطرح الأزمات كما ينبغي أن تطرح.
بموقفه هذا صار بمثابة الحجر الذي يحرك البركة فقط .
وهو ليس المسؤول وحده عن هذا الموقف الرمادي تشاركه فيه السلطة حيث تريد هذه السلطة من الإعلام أن يكون سلاحا تدافع به عن وجودها.
وما علمت أن الإعلام سلاح ذو حدين، فكما أنه يكشف الحق، فهو كذلك يكشف الباطل.
لا يمكن إطلاقا أن تتجزأ وظيفة الإعلام وإلا سيصبح مسخا مشوها لا يعرف عنه أنه مواليا، ولا يعرف أنه معارضا.
الموقف الإعلامي المتصالح مع نفسه هو أحد تيارين:
إما أن يجعل مهمة الإعلام برمتها تخدم النظام القائم.
أو تجعل منه سيفا مسلطا لإظهار الحق وإبطال الباطل، وهذا هو المفهوم الحديث للإعلام وهو الذي يشير إلى مهنيته للدرجة التي جعلته يطلق عليه بالسلطة الرابعة بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
أما ما يفعله إعلام السودان الموالي للحكومة فهو لا علاقة له بهذين النوعين من الإعلام.
يريد أن يمارس الإعلام من خلال كسبه للحالتين السابقتين وهذا مستحيل وغير ممكن.
يريد أن يتبنى الصواب والحق، وفي ذات الوقت يريد رضا الحكومة.
حيث يتناول القضية يريد أن يبحث لها عن حل متجاوز الأزمة الحقيقية وهي رأس الهرم.
فلا هو بموقفه هذا طرح القضية كما ينبغي، ولا هو كذلك أيد القضية لصالح صاحب القرار والذي تمثله الحكومة.
وفوق هذا وذاك أساء للإعلام إساءة بالغة حيث قام بتشريح القضية وتركها مشرحة لا ضمد الجراح ولا عالج الجرح.
فقضية عزل مدير عام الضرائب مثلا يريد هذا الإعلام المشوه أن يبين أن ثمة خرق وتجاوز حدث في عزله دون إقحام رأس الهرم في ذلك، ومعروف سبب عدم إقحام رأس الهرم وبالتالي جعل طرحه مشوها لا شكل له ولا مضمون لا من ناحية طرح القضية ولا من ناحية إبعاد رأس الهرم منها ولا من ناحية ممارسة الإعلام ممارسة صحيحة.
مما جعل حالته هي أسوأ حالات الإعلام التي تمارس.
أما لو طرحنا قضية عزل مدير عام الضرائب على النسقين الآخرين من الإعلام نجدهما جدا متناسقين معها.
ففي حالة انسجام الإعلام مع رأس الهرم، فسوف نجده يعرب فقط عن أهمية عزل مدير الضرائب وضرورة ذلك دون التطرق إطلاقا لنقد عزله.
ولسان هذا الموقف من الإعلام يفسره قول الشاعر:
إذا قالت حذام فصدقوها.
فإن القول ما قالت حذام.
أما الرأي الثاني المنسجم مع طبيعة الإعلام هو تفنيد عزل مدير الضرائب بادئا من رأس الهرم إلى آخر دائرة لهذا القرار، وحينئذ يكون الإعلام قد وظف مهمته التوظيف الصحيح.
إن الإعلام السوداني الموالي للحكومة إعلام فج لا هو مع الحكومة بحيث يسلم بآرائها بالكلية، ولا هو مع طرح القضية طرحا مستقلا بعيدا من تأثير انتمائه أو تأييده لها.
شاهد أيضاً
*محجوب مدني محجوب يكتب:* *إن أريد إلا الإصلاح:* *هل أثبت الكيزان علمانية الدولة؟!*
*محجوب مدني محجوب يكتب:* *إن أريد إلا الإصلاح:* *هل أثبت الكيزان علمانية الدولة؟!* ميزة الأخوان …