الرئيسية / الاعمدة / *بدر الدين العتَّاق يكتب:* *منفستو بركه ساكن ، الديك زلُّوط الأشوس*

*بدر الدين العتَّاق يكتب:* *منفستو بركه ساكن ، الديك زلُّوط الأشوس*

*بدر الدين العتَّاق يكتب:* *منفستو بركه ساكن ، الديك زلُّوط الأشوس*
القاهرة في :19 / 9 / 2024
تمهيد
رواية الأستاذ / عبد العزيز بركه ساكن ” الأشوس الذي حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيَّرة ” التي أصدرتها له دار عندليب للنشر للعام 2024 ، والتي ملأت الدنيا وشغلت الناس فهي تمثِّل لي المنفستو الحقيقي لجملة تكوين شخصية الكاتب من أفكار ومواقف سواء كانت داخل الرواية أو خارجها وذلك باتفاق أو اختلاف لتشريح النص سلباً أو إيجاباً من قبيل النُقَّاد أو الذين ناقشوه في سوء التوقيت لإصدارته تلك باعتبارها تقريراً مستعجلاً يوضح مجريات حرب لم تنته بعد وليست عملاً روائياً مكتملاً كما هو المعتاد في جملة إصداراته الورقية الكتابية .
نعم ! من حق القارئ والناقد والناقم والمعجب على جملة أعمال بركه ساكن أن يكون له رأي مخالف للغير وهذا من سعة التفوق الكتابي لتفسير النص في حد ذاته ، منهم من يربط هذه الآراء بانطباعات شخصية ومنهم من يربطها بآراء فنية كتابية ومنهم من لا يفهما أصلاً ويدلي برأيه فيعكر صفو المزاج الفني لعموم القارئ الذهني ، وأنا لست بأفضل من هؤلاء وأولئك بلا شك وأفصد فصدي بما طالعته من خلال النص لذا أسميت العنوان ” منفستو بركة ساكن ، الديك زلُّوط الأشوس ” ولبركة ساكن ولع في مسميات الدَيَكَةُ والكلاب وتوظيفها فنيَّاً من واقع البيئة وأن يصرف لها بركاوي كيفما اتفق ، انظر صفحة 116 – 117 حيث ذكر أسماء ستة ديكة زلَّوط ليس منهم وثلاثة كلاب أولاد ستين كلب وبعض التيوس .
المنفستو ، قراءة النص بعجالة
دعني أيها القارئ الكريم أن أقرأ النص هكذا ولا أبالي بما فهمته أنت من الرواية أو قصده الكاتب من عمله الفني على النحو التالي :
1 / الرواية تمثِّل بالنسبة لي الموقف السياسي الشخصي للكاتب مع أو ضد حالة الحرب القائمة الآن بالسودان منذ 15 أبريل 2023 ، نظراً لمكانته العالمية يجب أن يحدد موقفه بوضوح لا لبس فيه فهل الأستاذ بركة ساكن مع الحرب أم ضدها ؟ في تقديري ولا تحتاج لكثير ذكاء هو ضد الحرب بكل تأكيد ويقف لجانب قضايا شعبه وخيارات قياداته الرسمية سواء من الجيش أو الحكومة ” مجلس السيادة ” وهذا في تقديري ما تباينت لدى الكثيرين في إبداء آراءهم السالبة بالتحديد تجاه الكاتب ، ويمكن مراجعة هذا البند عبر لقاءه العام للجالية السودانية والمصرية بالقاهرة الشهر قبل الماضي بقاعة اللوتس بفندق براميدز بالدقي فهي متاحة على اليوتيوب .
2 / الكاتب لا يعبر عن مواقفه الشخصية تجاه القضايا العامَّة في مثل حالته إلَّا من طريق ما يألفه ويجيده وهو فن كتابة الرواية ، وهذا ما فعله في أشوسه زلَّوط والله أعلم .
3 / التشريح الاجتماعي وطبيعة المجتمعات المتباينة في الرقعة الجغرافية السودانية ، فهو ينقل كل تلك التباينات مما عاشه أو شهده أو نما إلى علمه من حركات المجتمع السوداني بصورة طبق الأصل لا تجيير فيها ، وهذا الوضوح أو قل : النقل المباشر والتشريح لحياة السودانيين هي التي تلهمه باستمرار نقل معاناتهم وأشواقهم وسعادتهم وما إلى ذلك، من طريق كتابة النص الروائي فالمرء ابن بئته كما هو معروف ، وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول فكرته الكتابية أو أسلوبه فيها فهي بصمة خاصَّة جداً له وفي ذلك فليتنافس المتنافسون من القُرَّاء والنُقَّاد على السواء .
4 / التحليل الشخصي لرموز المجتمع ، أو تصوره لهم ، – وردان ود الفيل / نموذجاً – هذا التحليل في تقديري يقوم على الانطباع أولاً ثم رأيه فيه من خلال تصرفه في مجمل قنوات الحياة بالسودان أو خارجه وهنا أتكلم عن السودان بالطبع وأشير لخارجه فيما يكتبه خارج هذه الرواية بطبيعة الحال .
5 / من ذات التحليل والاستقراء للشخصيات العامَّة التي تلهمه الكتابة يضع تصوره الخاص من خلال ترصده لأفعاله السالبة أو الموجبة تجاه القضية المعنية ثم يغرس نصله في أتون اعتراضه أو قبوله للفعل والرأي والحركة ، وهذا طبيعي جداً لكن ما يميزه هنا إبراز رأيه في جملة أحداث القضية من الشخصية كتابياً .
6 / الرأي العام لجملة الأحداث ، تجده في كل الصفحات وبين الأسطر والأقواس ناقماً تارة وساخطاً تارة أخرى وقليل ما هو راض في هذا العمل بالتحديد عن جملة الأحداث ، إنَّه الأشوس يا صديقي .
7 / الموقف الوطني الإيجابي تجاه قضية الشعب المفصلية ، وهنا كان لزاماً على الكاتب من حيث موقعه الريادي العالمي الروائي أن يوضح رأيه بجلاء تام عن الصراع القائم في السودان دون مواراة أو خوف أو حياد ، وهذا ما كرهه منه الكثيرين حين أخرج سفره الأشوس في وقت لم تنته فيه الحرب حتى الآن وفي تقديري هذه شجاعة وموقف صلب صلد جلد قلَّما تجده من رصفائه الروائيين خوفاً على مكانتهم العالمية الاجتماعية أو العزوف السالب عن اتخاذ موقف مُشَرِّف تجاه قضايا مفصلية تجاه الشعب والوطن ، لا يراعي فيه لشخص أو جهة أو أيَّاً كان بل يراعي ضميره وصدق نواياه ولا يخاف في الله لومة لائم .
إذا كان هذا البند صحيح – وهو صحيح إن شاء الله – فأنا أهنئه على كتابة الأشوس الذي ازعجه صياح الديك – ديك زلَّوط – والجني الذي في فمه وأشكره على ذلك .
8 / الفساد السياسي للسياسيين السودانيين ، وخديعة الديمقراطية الكبرى التي سيجلبها الأشاوس عبر النهب والسلب والاغتصاب والسفك والسحل والتنكيل والتعذيب وهلم جرَّا ، فضح الكاتب هذه النوايا عملياً عبر كشفه زيف النفاق السياسي الواضح صفحة 103 – 104 : [ أمَّا بقية المواطنين الذين يؤمنون ويتبعون حدسهم فقط ، الذين لم يسمعوا بكذبة السياسي التعايُشِّيَة ] فهم ضحايا لا شك ومغرر بهم للأسف الشديد .
9 / العنوان ، يطرح الكاتب تفريغ محتوى معنى كلمة الأشوس التي تعني في اللغة العربية الرجل الفارس الشديد القوي الكريم الأصيل الجواد وكل القيم الإنسانية الرفيعة ، عند من يسمون أنفسهم أشاوساً وبالتحديد الأشوس العظيم ، عبر قراءته للأحداث الجارية الآن ، وهذا في حد ذاته سخرية لا تضاهيها سخرية حيث قلبوا المعنى رأساً على عقب .
10 / اقرأ معي من صفحة 140 :
[ سألهم ، أين قتلوهم : في قريتنا ود شلعي .
سألهم ، كيف قتلوهم : بسلاح الكيد .
استغرب الكيد ؟ : نعم الكيد ! كيد النساء ] .
هذه الجزئية بالتحديد تنبيك عن تفريغ محتوى رصانة الكلمة من معناها الحقيقي ولا تخلو من سخرية محببة ومنفرَّة في ذات الوقت ، بمعنى إجادته لتوظيف واستخدام مفردة ” الكيد ” بطريق فن كتابة المفردة / راجع اعتراض الأستاذة بثينة خضر مكي عليه أثناء اللقاء بقاعة اللوتس موجودة على اليوتيوب / وكلمة الأستاذ إبراهيم الإعيسر ليست بعيدة عن مرادنا ههنا .
11 / رمزية ديك العوض ود العوض ، يمثَّل الهاجس النفسي والهلواس القهري وفشل المخطط أ ، ب ، من جملة المخططات الفاشلة للاستيلاء على الحكم وجلب الديمقراطية المزعومة ، هذا إذا فهمت أنا رمزية ديك العوض بشكل صحيح .
12 / يتعرض الكاتب لنقطة مهمة جداً تصور معاناة الطبقة الفقيرة الكادحة في كسب الرزق الحلال من صفحة 126 وهي قانون النظام العام السوداني لسنة 1996 المادة 153 ( منع بيع القهوة والشاي على الطرقات ) الذي يتعارض مع مبدأ القيمة الإنسانية في طريق الكسب عن طريق مشروع تضطره بعض الجهات لتوظيفه دون مبتغاة إذ يلوي عنق المعاناة ويحول دون -الكسب المشروع – هذا ما جاء على لسان ” مريم بنت منصور ” حيث قالت وهي أمام القاضي بالمحكمة : [ يعني يا مولانا نشتغل شنو ، عندك لينا وظيفة ؟ ] .
هنا يصوِّر الكاتب خطأ قانون النظام العام السوداني ويعتبره يعمل ضد الشعب ولا يخدمه بل يخدم مصدرية الدخل المالي والاقتصادي لجهات بعينها منها الحكومية الرسمية ومنها بكل تأكيد المصلحة الشخصية بسوء توظيف القانون نفسه وبسوء تطبيقه على الضعفاء بالتحديد ، وهذه الفقرة بالذَّات وفصل ( قرية بنات شلعي ) اعتبرهما تصلحان لأن تكونا رواية كاملة منفصلة عن الأشوس لما لهما من أهمية اجتماعية وسياسية فيما أرى .
13 / قال من صفحة 136 :
[ عندنا معلومة ناس المؤتمر الوطني دسُّوا القروش والدهب في بيوت الناس ، لو سلموكن ليها أخير تطلعوها بالحسنة .
مافي زول في الكمبو هذا – ده – في المؤتمر الوطني ، نحن ناس الله ورسوله .
خلونا نفتش ] .
هنا يشير إلى أمرين : الحجة الواهية للأشوس حين يقوم ويقدم على عمل يخالف البديهة والمنطق وهو السلب والاغتنام باسم دحر الفيلول من المؤتمر الوطني تطبيقاً على الضعفاء وعامَّة الناس ، والأمر الثاني هو : تفريغ محتوى لفظة الأشوس من معناها كما ذكرت من قبل وبذلك ( حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيَّرة ) نحو الفراغ العريض اللا متناهي ، هاك ديك زلَّوط ده .
14 / التوثيق التاريخي للأحداث في شكل رواية من عُدَّة فصول ، وهذا ما أعابه عليه البعض وقبله البعض الآخر لتظل رواية الأشوس جدلية الفكرة والتوقيت ، راجع ما كتب عنه في هذا الباب وبالأخص الأستاذ / إبراهيم أحمد الإعيسر في كلمة طويلة جداً .
خاتمة القراءة وتلخيصها
دعني أقتبس وانقل لك أيها القارئ الكريم ما لخَّصه الكاتب نفسه عن جملة ما يريد قوله عن روايته وموقفه – المنفستو لبركة ساكن – من صفحة 188 الآتي : [ بالنسبة للأشوس الأعظم ، الذي بنى عقله كما حاك جيبه ، أنت منافق واضح وصريح ومجتهد ولص يسرق في العلن وبعلن عن سرقاته في حضرة المسروق ، فالذئب الذي يهاجم فريسته أكثر نبلاً من القنَّاص الذي يخبئ نفسه بين العشب أو في سقوف المنازل ليغدر بالمارَّة ، مثل السياسي الذي يدس بندقيته تحت الجلباب وينادي بالسلم ، وأحب الأشوس الأعظم كفاحك ومنافحتك من أجل الوصول لهدفك ، وذلك يذكره بنفسه .
استشعر تلك الأيام التي كان يعمل حينها كدمباري واللحظات الحاسمة في تاريخه عندما قدر حمل السلاح يوم أحس بالذل وبكى مثل الطفل بحرقة ] .
وهكذا ذهبت أحلام زلُّوط أدراج الرياح حين منَّ نفسه بالزواج من الدجاجة المليحة البيضاء وهو مستلقٍ على الحبل لا يقدر على النوم ولا يقدر على الصحيان ، والتي يتنافس حولها بقية الديكة وهو مهضوم الحقوق مزعوط الريش من أثر نقر الديكة على رأسه ورقبته حتى أصيب بتزلط عليها ، كما ( الأشوس الذي حلَّقت أحلامه مثل طائرة مسيَّرة ) قبض الريح .
ما زال في النفس شيء لم أقله عن الرواية بعد ، عسى أن أردفه بكلمات لاحقات إن مدَّ الله في الآجال فالنص ملئ بالمتغايرات والمبكيات والمفرحات في آنٍ واحد ويستحق المراجعة بين الفينة والأخرى ، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .

عن Admin2

شاهد أيضاً

*صبري محمد علي يكتب:* *زيارة (جوبا) ما الجديد؟*

*صبري محمد علي يكتب:* *زيارة (جوبا) ما الجديد؟* إختتم رئيس مجلس السيادة يوم أمس الأول …