*محجوب مدني محجوب يكتب:*
*إن أريد إلا الإصلاح:*
*هل أثبت الكيزان علمانية الدولة؟!*
ميزة الأخوان المسلمين في السودان عن غيرهم من الدول العربية وخصوصا الجارة مصر هو أن الأخوان في السودان تمكنوا بحق أو بباطل من الإمساك بمطية الحكم.
وبهذه النقطة تختلف جدلية ممارسة حكم الأخوان للحكم في السودان عن أي بلد آخر.
فإن كانت في البلدان الأخرى ثورية، فأصبحت في السودان حكما واقعا.
وإن كانت في بقية البلدان نظرية، ففي السودان طبقت ومورست وعبر ثلاثين عاما.
ومن هنا فإن تقييم التجربة لا بد أن يكون مختلفا في السودان عن البلدان الأخرى التي يوجد بها تنظيم الأخوان المسلمون.
ثلاث محطات رئيسية مر بها حكم الأخوان:
المحطة الأولى رفضها للحكومة المنتخبة والتي تغلبت عليها بحكم عسكري.
انقلبت عليها بغض النظر عن سبب الانقلاب.
لأن الانقلاب العسكري يعني باختصار أن ما سيتم معالجته ستعجز عنه الحكومة المدنية.
واستمرت مسيرة الأخوان في الحكم؛ لتصل للمحطة الثانية وهي ذات المحطة الأولى إلا أن المحطة الأولى كانت خارج الجماعة أما الثانية لم تكن داخل الجماعة فقط بل كان يتزعمها الشيخ والزعيم والملهم للحركة، ورغم ذلك تم رفض هذا الاتجاه تجاه الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة، وتم استبداله بكل إصرار باستمرارحكم الفرد والحكم العسكري .
وهكذا استمرت حكومة الإنقاذ نحو طريق أوحد وهو الطريق العسكري طريق حكم الفرد.
صعدت به مستغلة أخطاء حكومة الصادق المهدي.
وصعدت به للمرة الثانية مستغلة قبضتها على السلطة إذ أن رفض جماعة شيخ حسن لنهج الإنقاذ لم يفرز سوى انشقاق الجماعة إلى شقين شق معارض للحكومة مقتنع بتوجه الشيخ، وشق مع الحكومة مقتنع بتوجه البشير المتمثل في الحكم العسكري، وطبعا شق البشير هو الشق الأكبر والأقوي نسبة لتحكمه على السلطة.
لم يكتف الأخوان أو قل الإنقاذيون بهاتين المحطتين حتى يتخلوا عن هذا المنهج، فقد وصلوا به للمحطة الثالثة، وهذه المحطة وإن كانت تحمل ذات الرؤية وهي التمسك بحكم الفرد إلا أن نتيجتها كانت مختلفة.
نتيجتها كانت سقوط الإنقاذ سقوطا مدويا سقوطا لم يرحم مؤسسيها، ولا معارضيها ولا ضحاياها ولا مختطفيها.
وذلك بسبب أن السقوط لم يكن بيد فصيل من فصائلها، وإنما كان السقوط بيد الشعب؛ لذلك لم يميز السقوط بين مؤيد ومعارض للأخوان حيث اعتبرهم الشعب من خلال ثورته ملة واحدة، فهم إما مارس وأيد حكم الفرد أو عجز عن تغييره، وكلتا الحالتين كانت نهايتهما على (تسقط بس).
بعد كل هذه الثلاث محطات، والتي لم تأت على فترات قصيرة لم يفق الأخوان المسلمون.
ويريدون أن يصنعوا لهم محطة رابعة لا تختلف لا شكلا ولا موضوعا عن المحطات الثلاث السابقة.
لا تختلف المحطة الرابعة عن سابقاتها سوى زمنيا فقط.
فمن ناحية رفضهم للآخر بكل مكوناته، والذي كانت تمثله المحطة الأولى فقد زاد، ولم ينقص بعد الثورة.
ومن ناحية التفافهم بالجيش، فهذه المرة أشد وأقوى من السابق.
ومن ناحية عدم اعتبارهم للشعب، فهو قد ظهر من خلال عدم اعترافهم بالثورة.
لنصل لنتيجة مفادها هو أن أخوان ٨٩ هم نفسهم أخوان ٢٠٢٤م.
وهذه النسخة الواحدة التي ظهر بها الأخوان رغم اختلاف محطاتهم يثبتون سواء أرادوا أو لم يريدوا أنهم لا علاقة لهم بتأسيس نظام يحكم البلاد.
لا علاقة لهم بذلك سواء في إنتاج دستور أو إنتاج تجربة أو إنتاج شخصيات؛ لتقدم هذه التجربة السلطة بطبق من ذهب للعلمانيين أولئك الذين ينادون بألا علاقة ولا علم لأي نظرة دينية بالسياسة.
هذه النظرة التي عمل تيار الأخوان على صحتها عمليا وتطبيقيا من خلال ممارسته الخاطئة للحكم عبر فترة استمرت لثلاثين عاما؛
ليبقى تيار ربط العمل السياسي بتعاليم الدين غائبا.
فمع فشل تجربة الإنقاذ ينضم أصحابها لبقية الجماعات الإسلامية، فلا السلفيون يقتربون من هذا التيار، ولا أهل الصوفية يهتمون به، ولا جماعة التبليغ والدعوة يضعونه مبدأ من مبادئهم.
انتهت حكومة الإنقاذ لا لتبرز ذات السؤال، وإنما لتجيب عليه بالنفي.
والسؤال هو:
هل فعلا ثمة علاقة بين تعاليم الدين وممارسة السياسة؟
فكانت إجابتها من خلال تجربتها هي:
أنه لا ثمة علاقة البتة بين من يحملون راية الدين، وبين إقامة حكم يستند لأبسط قواعد الحكم.
إلا أن الأمر الذي يثلج الصدر ويجعل خطأ ما اقترفته الإنقاذ لا يفعل سوى أن ينضم جنبا إلى جنب مع خطأ النظرية العلمانية هو أن الشعب مؤمن إيمانا لا جدال فيه بأن من يحكمه لا بد بحكمه أن يحافظ على دينه.
وهذه هي النقطة التي تجعل الأخوان ومن يقتنع بفكرهم أن يعملوا على إعادة النظر في التجربة كما تجعل العلمانيين يقفون في حيرة من أمرهم إذ أنه بالرغم من فشل التجربة الدينية في الحكم إلا أن الشعب ما زال وسيظل ينظر إلى تصحيح التجربة أكثر من أن يرميها خلفه، وما ذلك إلا لاقتناعه التام وإيمانه المطلق بأن الدين هو من يحمي الدولة، وأن الدولة هي من تحمي الدين.
وبما أن البقاء للشعوب لا للحكومات، فسيخرج من رحم هذا الشعب من يثبت أن الدين هو السياسة وأن السياسة هي الدين؛ ليضرب بتجربة الإنقاذ ونظرة العلمانيين على السواء عرض الحائط.
الرئيسية / الاعمدة / *محجوب مدني محجوب يكتب:* *إن أريد إلا الإصلاح:* *هل أثبت الكيزان علمانية الدولة؟!*
شاهد أيضاً
*قسم بشير محمد الحسن يكتب:* *تكتمل حلقات النصر بتحرير مدينة سنجة عاصمة الولاية*
*قسم بشير محمد الحسن يكتب:* *تكتمل حلقات النصر بتحرير مدينة سنجة عاصمة الولاية* لقد استيقظت …