محجوب مدني مخجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
الصراع العالمي صراع ديني أكثر منه صراع اقتصادي
لا شك أن عجلة الاقتصاد هي العجلة المحركة لكل سياسات العالم من أقصاه إلى أقصاه.
فالدول الفقيرة تقع تحت سيطرة الدول الغنية كما أن الدول الغنية تختلف وتتفق وفقا لمسيرة هذه العجلة.
إلا أن هذه العجلة كثيرا ما يختفي خلفها أصحاب الأجندات الدينية.
فما لا يعرفه الكثيرون أن أصحاب الأجندات الدينية هم القوة الحقيقية التي تحرك جميع أجندات العالم وذلك لسببين:
السبب الأول:
صحيح أن عجلة الاقتصاد هي العجلة التي توجه استقرار وزعزعة بلدان العالم إلا أن هذه العجلة جبانة.
جبانة من ناحية أنها ليست مستعدة إطلاقا أن تضحي بثروتها من أجل أن تكسب معركة في الساحة، فمجرد ما تدرك أن هذه المعركة قد تكلفها ثروتها، فسوف تنسحب مباشرة دون تردد، وليست لها أدنى استعداد من أن تضحي بثروتها من أجل أن تحافظ على معتقد أو مذهب.
السبب الثاني يتلخص في كون أن أصحاب الأجندات الدينية على عكس رصفائهم، فهم على استعداد تام من أجل أن يخسروا كل شيء في سبيل الحفاظ على توجههم الديني.
فهذان الاتجاهان المتعاكسان هما اللذان جعلا من الصراع القائم في العالم صراع ديني أكثر منه صراع مادي.
فضلا عن ذلك فإن الصراع الديني صراع متراكم يتبناه جيل بعد جيل.
بينما الصراع المادي هو صراع متعلق بفئة معينة قد لا ترتبط بالضرورة بفئة قبلها أو بعدها.
الصراع الديني يشمل جميع الديانات السماوية وهي الكنيسة والمعبد والمسجد متمثلة في المسحية واليهودية والإسلامية.
توجد صراعات وجودية بين هذه الديانات الثلاث كما توجد تقاطعات مصالح فيما بينها إلا أن الصراع على أشده يتمثل في الصراع بين اليهودية والمسيحية من جهة، وبين الإسلام من جهة أخرى.
كثيرا ما يبدو هذا الصراع ليس واضحا فقد يظهر هذا الصراع في شكل صراع سياسي كما يحدث في تداعيات انتخابات الرئاسة الأمريكية.
فهذه الانتخابات التي يمولها أصحاب رؤوس الأموال في أمريكا فالمنتصر فيها هو ذلك الشخص المرشح الذي يكون أقرب الأشخاص لمناصرة اليهود في دولة إسرائيل.
تستمر هذه الموازنة بين نصرة اليهود في إسرائيل وبين قوة مرشح الرئاسة الأمريكية حتى أثناء توليه الحكم وأثناء ترشحه لولاية أمريكية ثانية.
ومن أمثلة إحكام سيطرة الصراع الديني على الصراع الاقتصادي هي تكالب الدول المتوافقة دينيا مع بعضها البعض على الدول المعادية لها.
فالكنيسة تدعم اقتصاديا الدول التي تسير في خطها كما أنها تحارب اقتصاديا تلك الدول التي تخالف خطها الديني.
بل امتد هذا الصراع وشمل حتى الدوائر الثقافية، فما من جائزة عالمية منحت أو حجبت إلا ووراؤها خلفية دينية.
لم تأت قوة هذا الصراع الديني من فراغ، وإنما جاءت من طبيعة أن المعتقد هو الذي يسطر على وجدان وحياة الناس بينما الاقتصاد هو مجال تسيطر عليه فئة تبحث عن مصالحها المادية بطرق لا تفقدها حياتها وممتلكاتها بمعنى أن أصحاب الاقتصاد يجعلون من قضاياهم الاقتصادية وسيلة لغاياتهم في الحياة وذلك بأن يعيشوا حياة مترعة بالأمن والاستقرار والرفاهية.
بينما أصحاب الأجندات الدينية يجعلون من قضاياهم الدينية غاية يسخرون لها كل مجهوداتهم الذهنية والمادية بل والروحية.
فمن يعتقد أن الصراع العالمي صراع مادي أقوى منه صراع ديني فهو ينظر إليه من قشرته الخارجية فقط أما هو في حقيقته في دواخله في أعماقه ما هو إلا صراع بين المعتقدات والديانات.