الرئيسية / الاعمدة / محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: مفهوم السياسة اليوم

محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: مفهوم السياسة اليوم

محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
مفهوم السياسة اليوم
صار لمفهوم السياسة اليوم طريقا ثالثا، فمجرد ما تجد جهة تتحدث عن حدث ما حديثا مباشرا في كونه صوابا أو خطأ، فاعلم أن هذه الجهة ربما تتحدث عن الحق والباطل أو ربما تتحدث عن المصلحة أو المفسدة أو أنها تصف الحدث وصفا مجردا من حيث دقته أو عدم دقته أما أهل الساسة فهم دائما يتناولون الحدث من زاوية ثالثة هذه الزاوية إذا لم يدركها غيرهم، فهذا يعني مباشرة أنهم لا يفهمون في السياسة.
هذا يعني مباشرة أنهم يحلقون في واد بعيد كل البعد عن أهل السياسة.
فمثلا تناول حرب السودان، فمن يتناولها من باب أنها مفسدة ومضرة بالمواطن، فهذا لا يمارس سياسة.
ومن يتناولها على أساس أنها حرب كرامة وعزة وتحرير للسودان من كل غاصب وعدو، فهو كذلك لا يمارس سياسة.
فكيف يمارس السياسي نشاطه من خلال هذه الحرب؟
الفرق بين السياسي وبين غيره هو أن السياسي يصب كل الأحداث وكل القيم وكل الحقائق وفقا  لصالحه فقط، وفي ذات الوقت يتجاهل كل الأحداث وكل القيم وكل الحقائق التي لا تخدمه ولا تصب في صالحه.
هجوم الدعامة على منطقة الدندر مثلا، فمن ينظر لهذا الهجوم بأنه مضر ومشرد للمواطن، فسوف يهاجم الحرب.
ويدعو لوقفها.
ومن ينظر لهذه الحرب بأنها ستمنحه العزة والكرامة، فسوف ينظر للهجوم على أنه ذلة ومهانة وبالتالي لا بد من المواصلة في الحرب لدك هذا العدو ولحسمه.
السياسي ينظر للهجوم نظرة ثالثة، فإن كان الهجوم لا يخدم مصالحه، فهو سوف يهاجمه شر هجوم وسوف يعظم من خطره.
اما إذا كان الهجوم يخدم خطه السياسي، فسوف يتجاهله ويقلل من شأنه ويعتبره حدثا عابرا مهما بلغت خطورة وفحش هذا الهجوم على المواطن.
بمعنى أن النظرة العادية تنظر للحدث نظرة واحدة إما معه أو ضده.
فإن كان مع الحرب، فسوف يعمل الحدث على تشجيعه، وسيعمل الحدث على زيادة حماسه لها.
وإن كان ضد الحرب، فإن الحدث سوف يشجعه على تركها وعدم الخوض فيها.
أما السياسي فهو ينظر له نظرة ثالثة، فإن كان الحدث يريد به أن يستمر في الحرب، فسوف يتجاهله ويقلل من شأنه، وإن أراد به أن يوقف الحرب، فسوف يعظمه ويشدد من خطره.
فالنظرة العادية تنظر للأحداث من حيث أنها تضعف موقفها أو تقويه ما عدا السياسي ينظر للأحداث من زاوية واحدة فقط وهي أنها تقوي موقفه فقط.
فلن تجد سياسيا غير موقفه وفقا للأحداث. لن يحدث ذلك إطلاقا.
سيغير الأحداث فقط وفقا لمصالحه.
لن يشجع الحرب إلا إذا كان هذا التشجيع يخدم مصلحته لا علاقة لهذا التشجيع بالواقع أو بسير الأحداث.
ولن يترك الحرب إلا إذا كان هذا الترك فيه مصلحة له.
لن يترك الحرب يوما بسبب أن المواطن يضيع أو البلد في خطر.
هذا هو السياسي.
استشهد المجاهد الفلسطيني إسماعيل هنية، فمن يدعم المقاومة الفلسطينية، فسوف يكون موقفه واحدا، وهو إن أخذ العدو ثائرا، فسوف تنبت الأرض ألف ثائر.
ومن يداهن العدو ويسعى لكسبه، فسوف يستثمر استشهاد إسماعيل هنية لدعم موقفه من حيث أن الحرب تحصد خيرة القادة، وخيرة المخلصين للقضية الفلسطينية، وبالتالي إيقاف مواجهة العدو أفضل من التمادي في مواجهته.
أما السياسي فهو له نظرة ثالثة ينظر لمقتل هنية حسب مصلحته، فإن كانت مصلحته الآنية يريد بها أن يصعد هجومه وعداوته لليهود، فسوف يعظم استشهاد إسماعيل هنية ويجعل منه قضية كبيرة بالنسبة له.
أما إن كان يريد أن يحاور ويفاوض العدو، ولا يريد أن يصطدم به في الوقت الحالي، فسوف لن يتطرق للاستشهاد، ولن يذكره ويعتبره حدثا عابرا مثله مثل كل الأحداث التي تحدث كل يوم.
فمن يريد أن يقيم موقفا سياسيا لن يستطيع أن يقيمه من خلال الأحداث.
فالأحداث لا تمثل لصاحب الموقف السياسي شيئا؛ لأنه ينظر إليها من باب خدمة موقفه فقط، فإن كانت في صالحه فحينئذ سوف يدعمها وإلا سوف يتجاهلها.
فهو أحيانا شريف ونزيه، وأحيانا وضيع ذليل حسب موقفه هو وليس حسب قيمة الحدث.
فمن يقيم الأحداث بالنظرة إلى الحدث، فهذا لا يمارس سياسة، ومن يريد أن يجعل من الساسة أن يتخذوا موقفا واحدا ثابتا، فهذا لا يخاطب ساسة.
الساسة يوظفون الحدث مهما كانت طبيعة الحدث وفقا لتيارهم وتوجههم.
فلا ينتظر أحد أن يدعم تيار سياسي الحرب إلا إن كان هذا الدعم يخدم مصالح السياسي.
فالسياسي لا يعرف العواطف أو الرحمة ولا يفهم معنى الإنسانية.
فهو متقلب عبرها من أجل مصالحه فقط، فيوم مع الأحداث ويوم ضدها.
ولعل آلة الإعلام التي يسيطر عليها السياسي هي التي توضح منهج هؤلاء الساسة.
حيث تتعامل آلتهم الإعلامية مع الأحداث حسب مصالحهم، فإن كان الحدث يخدم مصالحهم، فسوف تجد أنهم يخلقون حوله أكبر قدر من الانتباه سواء بصواب أو خطأ.
وإن كان الحدث لا يخدم مصالحهم، فسوف تجد آلتهم الإعلامية قد لا تفسح له حيزا حتى عبر الأخبار العامة التي يبثها إعلامهم.
وقس على ذلك أي حدث عالمي أو محلي، فمن يبحث عن الفضيلة يجل الحدث ويحقره حسب الفضيلة، ومن يبحث عن المصلحة يجل الحدث ويحقره حسب المصلحة.
إلا السياسي، فهو يتلون بين الاثنين، فأحيانا يقتضي ظرفه أن يجل الحدث، وذلك بتبنيه للفضيلة، وأحيانا يقتضي ظرفه بأن يحقر ذات الحدث وذلك بتجاهله للفضيلة.
إقامة فرنسا لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية هذه الأيام، فمن يبحث عن الفضيلة، فسوف يهاجم كل الخروقات التي تمس الفضيلة جاءت عبر احتفائية فرنسا لهذه الألعاب، ومن همه الانفتاح على العالم، والمشاركة معه في كل فعالياته، فلن يلتفت لأي خرق للأخلاق في هذه المنافسة.
أما السياسي فله موقف ثالث يختلف عن الموقفين، فإن كان موقفه السياسي يقتضي مساندة الحكومة الفرنسية، فلن يهاجم الألعاب الأولمبية أو على أقل تقدير سوف يتجاهل أي خروقات أخلاقية وردت في الفعاليات.
أما إن كان موقفه السياسي ضد الحكومة الفرنسية، فهو حينئذ سينتهز أي خروقات وردت في المناسبة أو حتى لم ترد؛ ليصب من خلالها جام غضبه على الحكومة الفرنسبة.
إن السياسي عبد لمصلحته أينما توجهت يتوجه.
فمن يريد أن يعلق قيمه بسياسي، فهو واهم، فالسياسي لا يعرف القيمة سواء صالحة أو فاسدة.
السياسي يعرف مصلحته فقط ويتصرف وفقا لذلك.

عن Admin2

شاهد أيضاً

*محجوب مدني محجوب يكتب:* *إن أريد إلا الإصلاح:* *السياسة التي فصلت الجنوب ستفصل غيره*

*محجوب مدني محجوب يكتب:* *إن أريد إلا الإصلاح:* *السياسة التي فصلت الجنوب ستفصل غيره* الأسباب …