محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
الرسائل السماوية بين العلم والمعجزة
الإنسان بطبعه يميل إلى الانجذاب إلى ما هو مخالف للطبيعة، فانجذب قوم عيسى عليه السلام لمعجزته ولمعجزة والدته السيدة مريم العذراء لدرجة أنهم جعلوا منه إلها أو ابنا لله.
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وكذلك دعوة سيدنا سليمان عليه السلام التي جعلها الله مليئة بالمعجزات، فقد كان الإقبال عليها كبيرا سواء من خوف أو اندهاش.
بينما قوبلت دعوة نوح عليه السلام بالإعراض الشديد لكونه وضع سفينة وسط أرض جرداء، وظل يصنع فيها، فلم يكن في ذلك معجزة بل يشير لمن لا ينظر للأمور نظرة غيبية إلى عدم فهم وغباء.
فلم تستوعب معجزة نوح عليه السلام إلا حينما أغرق الله الأرض بالفيضانات.
وكذلك معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يستوعبها أهل مكة مباشرة، وإنما تطلب ذلك مسيرة سنوات.
فالشاهد أن الإنسان ينبهر بما تراه عينه ولا ينبهر بما يرشده له عقله.
ومن هنا جاء تكريم الله لأهل بدر عاليا حيث قال عنهم على لسان رسولنا الكريم:
(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
ولعل هذا التكريم من الله لأهل بدر لكونهم آمنوا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي ما زالت في مهدها لم يظهر عليها ظفر أو نصر بعد على الدنيا.
ومن هنا جاءت عظمة أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كونها لم تحتفل بالمعجزات وخوارق الطبيعة.
بل جاءت معجزتها موافقة للطبيعة وللعلم، وهذه الميزة للرسالة المحمدية جعلتها أكثر عمقا من بقية الرسالات.
وذلك لسببين:
الأول: أنها رسالة عامة لكل البشر.
الثانية: أنها رسالة خاتمة للرسالات.
فهاتان الصفتان لا شيء جعلهما خالدتين سوى العلم.
ولعل العلم هو الحقيقة التي لا تتغير ولا تتبدل بمرور السنين على عكس المعجزة التي تكون مرتبطة بصاحبها.
كما أن العلم ليس حصرا على عصر دون عصر أو أمة دون أمة فهو ملك للناس جميعا.
والمقصود بالعلم هنا ليس علم الطبيعة فقط بل كل أنواع العلوم من علوم شرعية وعلم طب وهندسة وتربية وحكمة واقتصاد وسياسة وسلوك.
فشملت كلمة علم كل حقيقة.
إذ أن كل حقيقة فهي علم ولا غرو أن قال الله تعالى في محكم تنزيله في سورة طه آية رقم ١١٤ (وقل رب زدني علما.)
فجاءت كلمة علم في الآية الكريمة نكرة؛ لتفيد التعدد.
فزيادة العلم من زيادة الإيمان.
وكذلك نقصه من نقص الإيمان.
إلا أن هذا العلم بالرغم من أنه هو الأقوى حجة ودليلا على صحة وعظمة الرسالة المحمدية إلا أنه ليس سريع الانتشار مثل تلك الرسالات التي ارتبطت بمعجزات بشرية.
تلك المعجزات التي هيأها الله لرسل دون رسل.
إن من أعمق وأعقد الدلالات التي ارتبطت بالدين الإسلامي في كونه دين علم لا دين معجزات.
بل معجزته نفسها هي العلم.
فكما أن الهجوم عليه سهل، فكذلك توصيل رسالته شاق وعسير.
فالهجوم عليه سهل لكون العلم لا يرتبط بالغيبيات فقط فقد سخر الله العلم لجميع البشر.
على عكس المعجزات فهي مرتبطة بالغيبيات فقط.
وعسير وشاق في كونه ليس كل أحد يستطيع أن يوصل رسالته للخلق لكونها رسالة معجزتها العلم فهي تحتاج لعلماء.
فمثلا التفكر والتدبر في مخلوقات الله ليست صفة خاصة بالدين الإسلامي.
بينما ولادة عيسى عليه السلام بلا أب، وكونه تحدث في مهده، وكونه يحيي الموتي، فهذه المعجزات لا تحتاج لعلم حتى تنشر وتثبت للبشر.
بينما دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ارتبطت بنشاط يشترك فيه جميع الخلق ألا وهو نشاط العلم.
الربط بين العلم والدين الإسلامي من جهة، وبينه وبين نشر دعوته من جهة أخرى أمر في غاية التخصصية والاحترافية.
لذلك فكما أن الجهل والكفر في الإسلام صنوان، فكذلك العلم والإيمان في الإسلام صنوان.
فلن تجد جاهلا يستطيع أن يوصل دعوة الإسلام للبشر وهنا مربط الفرس؛ لأنه يفتقد لآلة هذا الدين ألا وهي العلم.
بل تجده بجهله قد ينفر الناس من الدين رغم حرصه على دعوتهم وصدق نيته.
وتجد آخر هدي إلى الدين دون أن يدري بسبب غزارة وعمق علمه، وما أكثر الأمثلة على ذلك، فكم من عالم من علماء الطبيعة هداه الله للإسلام بسبب علمه وتبحره فيه.
فالمجتمعات التي ينتشر فيها الجهل والتخلف هي مجتمعات محاربة لهذا الدين تسيء إليه من حيث كونها تسعى للإحسان له.
ويجد هذا الدين براحه وقوته وعظمة حجته في المجتمعات المتعلمة، وحتى وإن كانت غير متدينة، وذلك لملازمة هذا الدين للعلم.
إن المعجزة التي أتى بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صالحة لكل زمان ومكان إلا أنه لا يستطيع الكل أن يوصلها ويعبر عنها؛ لأنها معجزة هي والعلم سيان.
الرئيسية / الاعمدة / محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: الرسائل السماوية بين العلم والمعجزة
شاهد أيضاً
*د.محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *هذا ليس من الكرم في شيء*
*د.محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *هذا ليس من الكرم في شيء* أغيثوا المنكوبين …