محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
مجاعة السودان بين الواقع والاستغلال
كل ما يحدث في السودان صار يسير في تجاه واحد سواء صغر حجمه أو كبر.
فالكل يريد أن يستغل أي فعالية أو خبر أو كارثة لصالحه.
هذا هو الهم السائد عند الجميع.
وهي عاهة قديمة لم تكن جديدة في ممارسة العمل السياسي في السودان.
فالحرب قيمة نبيلة إن كنت أنا من أقوم بها.
وهي شر محض إن كان يتبناها غيري.
وكذلك السلم، فهو عجز وخور وذلة وضعف إن لم يكن توجهي.
وهو المنقذ إن كنت أنا من يحمل لواءه.
منذ تمرد قرنق هذه هي حالنا.
يقوم الحزب الاتحادي الديمقراطي بمعاهدة مع قرنق تقوم الدنيا ولا تقعد لا بسبب بنود المعاهدة، وإنما بسبب أن من قام بها سيحصل بعدها على كسب سياسي بالتالي لا بد أن ترفض.
ولا بد أن تهاجم شر هجوم.
هكذا كل الأحداث مع المواقف السياسية، فهي جميلة غاية الجمال إن كنا نحن من نحملها، ومن نعبر عنها،
وهي قبيحة كل القبح إن كان غيرنا من يتبناها.
أسوأ الممارسات السياسية تقطن في السودان.
كبت الحريات ضرورة أمنية ومطلب سيادي.
وكذلك بسط الحريات مطلب جماهيري.
ذات الموقفين تتبناهما جهة واحدة.
تتبنى الكبت حينما تكون السلطة بيدها، وتتبنى الحريات حينما تكون خارج حلبة السلطة.
وبالأمس القريب قامت الدنيا ولم تقعد بسبب وفاة الشاب الأمين محمد نور بمعتقلات الأمن العام بكسلا.
كل تناول الحدث حسب مصلحته.
لم تنظر جهة واحدة للحدث من حيث هو.
بل نظرت كل جهة من حيث تقف هي لا من حيث يقف الحدث.
وعلى ذات النهج، فمجرد القول بأن هناك كميات كبيرة من النزوح، وأن جل هذا الشعب عاطل عن العمل، وعن فشل موسم الزراعة، فهذا القول ينبئ مباشرة لكل ذي لب ببروز مجاعة في السودان لا شك في ذلك.
وبما أن هذا القول يورد حكومة بورسودان الهلاك، فلا بد أن تنفيه وتقول بأن ما ترونه مجرد سراب.
فنحن قلنا أنه ليست ثمة مطر، فهذا يعني أنه ليست ثمة مطر.
وما ترونه من أمطار مجرد سراب.
حكومة تغالط في شعبها.
هل سمعتم بهذا من قبل؟
شعب يصرخ بالجوع، وهي تقول له ليست هناك ثمة جوع.
أما إن كنا فعلا ننظر إلى وجوه هؤلاء المسؤولين النضرة فسنجزم أنه ليست ثمة جوع.
وعلى الجهة المقابلة ذات النهج تنتهجه المليشيا ومن لف لفها، وهي قولها بأن البلد لا توجد بها ذرة قمح.
لا تقول ذلك بسطا للحقيقة، وإنما تقول ذلك لحاجة في نفسها.
تريد به أن تسمح للقوات والمنظمات الدولية بالدخول في السودان من هذا الباب.
فمن جهة يمنحها هذا الدخول السيادة، ومن جهة يمنحها معونات حربية مغلفة بأنها مساعدات.
أرأيتم بلد يستغل مثل ما يستغل السودان؟
لا يوجد بلد يصرخ بأنه لا توجد به مجاعة لا لشيء إلا لكسب سياسي رخيص إلا في السودان.
كما أنه لا يوجد بلد بأن يصرخ بأن البلد غارق في مجاعته لا لشيء إلا بأن هذا الادعاء يحقق له مغرما وتنافسا إلا في السودان.
والصواب أن كلا الموقفين يحملان جانبا من الحقيقة.
فالمجاعة طاحنة في مكان الحرب بينما هي غائبة في المناطق التي لم تصلها الحرب.
لا أحد يتبنى هذه الحقيقة كاملة.
الكل يتبنى الموقف الذي يدعمه فقط.
حيث لا توجد مجاعة على الإطلاق هذا هو الذي يدعم موقف حكومة بورسودان.
تريد أن تلوي عنق الحقيقة من أجل ألا تسمح بأي تدخل خارجي، وإن كان هذا الموقف لا علاقة له بالواقع.
بإمكانك يا حكومة بورسودان حتى لا يضحك المواطن عليك أن تتبني الحقيقة وتتبني حالة نزوح السودانيين ومواعينهم المصطفاة لمسافة تفوق الكيلو من أجل الحصول على وجبة من حلة التكية.
هذه الحلة التي صار يعرف مكانها وموعدها الكل.
بإمكانك أن تتبنى هذه الحقيقة، وفي ذات الوقت ترفضين أي معينات خارجية باعتبار أن هذه المعينات كمن يدس السم في العسل.
ولا أحد يعترض عليك.
اما أن تجافي الحقيقة، وتظنين أنك تخاطبين في هذا المواطن، فهذا أكبر دليل على احتقار هذه الحكومة للمواطن؛
لأنها تخاطبه بكذبة ظاهرة للجميع، وتريده أن يصدقها حتى تفوز هي بموقف دولي.
وحتى تقطع الطريق امام أي برنامج يمكن يبعث الحياة في المليشيا.
وما علمت أن إنكار الحقائق لن يزيد الطين إلا بلة.
وكذلك الموقف على الجانب الآخر، والذي يتبنى ان البلد غارقة في المجاعة والمهددات الصحية بالرغم من أن هذا الموقف مبتور، فبعض المناطق لا تشملها هذه الحالة، وإن كانت مهددة بأن تصلها نسبة لاستمرار الحرب.
ما يظهر في المشهد هو أن الحقيقة غائبة تماما.
والكذب والتزوير هو سيد الموقف، وذلك من أجل تأييد ودعم الاتجاهات.
لك الله يا بلدي!
صرت نهما ونهبا لمريضي السلطة.
الرئيسية / الاعمدة / محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: مجاعة السودان بين الواقع والاستغلال
شاهد أيضاً
*بخاري بشير يكتب: خارج الإطار:* *حمدوك والشرعية .. شتان بين العميل والأصيل!!*
*بخاري بشير يكتب: خارج الإطار:* *حمدوك والشرعية .. شتان بين العميل والأصيل!!* تعتبر جبهة تقدم …