تاج السر محمد حامد يكتب: كلام بفلوس:
الإستقلال ثم الإستقلال !!
كلمة إستقلال لها فى وجدانيات شعب السودان دلالة تتجاوز المعنى اللغوى .. لأنها تعنى يوم أن وثب أسلافنا وثبة أسود اجلت المستعمر لنعود احرارا كما ولدتنا أمهاتنا ليرفرف العلم رمز السيادة الوطنية سامقا فى سموات بلاد واد النيل .. فللرعيل الاول من اسلافنا التحية والتجلة والعرفان فهم رجال ذاك العصر وصناع تاريخه .. فلا خير فينا ولا فى امة لا تحفل بتاريخها ولا تكرم رموزه وصانعيه .. فلماذا تناسوه هذا العام ؟ لازال هذا السؤال عالقا فى مخيلتى .. والكل يعلم فى مطلع كل عام ميلادى جديد على اهل السودان إلا وكست اسارير وجوههم بشاشة لا تخفيها معاناتهم وان عظمت .. غرة ينائر من كل عام هى ذكرى وعيد استقلال بلادنا الحبيبة .. والله يلعن الكان السبب !! .
لم يعد الاستقلال كما استقر فى وعى جيل الحركة الوطنية .. يعنى الشئ نفسه بالنسبة لجيل ما بعد الاستقلال .. لاولئك الذين تفتحت مداركهم فى ظل الحكم الوطنى .. فخلال العقود السابقة لخروج الانجليز بدأ أن الاستقلال نفسه كمفهوم وكواقع عينى بحاجة إلى وفاق وطنى حوله.
فقد تمت الإطاحة بعدة حكومات منتخبة ديمقراطيا عن طريق إنقلابات عسكرية بداعى إعطاء الإستقلال مضمونه الحقيقى حيث لم يعد الاستقلال السياسى الذى لم يكن موضع جدل حينئذ .. يكفى لتلبية الحاجات المتنامية للجيل الجديد .. وفيما رجح لدي بعض اقسامه ان العدالة الاقتصادية والإجتماعية هى ذلك المضمون الذى يفتقر إليه الإستقلال السياسى .. بينما ذهب البعض الآخر إلى أن ذلك الاستقلال لن يكتمل إلا بتحكيم الشريعة الإسلامية وبسط سلطان الدين .. وخلال السنوات الطويلة من حكم النميرى وماتلتها من سنوات الانقاذ وجدت تلك الاطروحات التى شكلت القيادات الرئيسية الفاعلة فى السياسة السودانية حظها الوافر من التجريب .
وإذا كان الاستقلال من حيث محتواه كان محل خلاف وموضوع صراع بين القوى السياسية فى الشمال .. فإن القوى الجنوبية قد حملت السلاح مبكرا وقبل رفع العلم من اجل إستقلال جنوب السودان .. ومنذ العام 1955 أى قبيل رحيل المستعمرين الانجليز اصبح الحديث عن الاستعمار العربى متواترا فى الأدب السياسى الجنوبى كأرضية للحركة الإستقلالية المسلحة (55-1972 م) .
لقد بدأ ان الفكر السياسى السودانى يوشك ان يعلن إفلاسه وهو يقف عاجزا أمام التساؤلات المصيرية التى تتصل بحاضر البلاد ومستقبلها مما أفسح المجال واسعا أمام الغلو الاثنى وغيره من أشكال التطرف .. وأمام الإرتباك أو الحيرة التى تعبر عن نفسها فى المزيد من التساؤلات التى لا إجابات لها والتى تطال أصل الاستقلال نفسه وفصله كوجه آخر من وجوه الأزمة المستدامة .. وكل عام والجميع بالف خير .. وكفى..