السفير الصادق المقلي يكتب: انقلاب 25 اكتوبر 2021٫ و حرب 15ابريل 2023 و المساءلة الجنائية الدولية ( 2 – 2)
[٢٨/٢ ٤:٢٩ م] السفير المقلي: نخشي أن يعيد التاريخ نفسه و يكون السودان عرضة للمساءلة الجنائية الدولية علي غرار ما حدث في حالة دارفور و التي احيل الوضع الأمني و الإنساني فيها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بناء على القرار 1593 الصادر من مجلس الأمن..كما سيوضح أدناه..سيما و أن الوضع الأمني و الإنساني في دارفور و في الخرطوم و في الجزيرة أسوأ بكثير مما كان عليه في دارفور و الذي استدعي قوات حفظ السلام اليوناميد ..و ذلك في حالة خلصت تقارير بعثة تقصي الحقائق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان و التقارير الصادرة عن مدعي المحكمة الجنائية الدولية الي أن الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب الدائرة حاليا ترقي الي جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و إبادة جماعية…جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية و جريمة العدوان هي الجرائم الاريع المنصوص عليها في الباب الثاني المادة 5 من ميثاق روما التي دخل حيز التنفيذ في عام 2002….سيما و أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان و ممثلة الأمم المتحدة أشار في تقريره الأخير لمجلس الأمن أن ثمة ما يدعو إلي الاعتقاد أن طرفي النزاع ارتكبا انتهاكات ترقي الي جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ،كما أن ممثلة الأمم المتحدة عن منع الإبادة الجماعية قد خلصت الي أن انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل الدعم السريع في دارفور ترقي الي جريمة الإبادة الجماعية..
كما ذكرنا في الجزء الاول من هذا المقال فقد تمخض مؤتمر روما عام 1998 عن ٱجازة ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدول…حيث نال 120 صوتا و معارضة سبع دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل ..
و قد شارك السودان في هذا المؤتمر بوفد برئاسة وزير العدل وقتها مولانا علي محمد عثمان يس….بل هو الذي القي خطابا باسم المجموعة العربية..و قد كان السودان من أكثر الدول حماسة للمحكمة و عقد عدة ورش أفضت الي توقيع السودان علي الميثاق..و لكن حدث ما حدث بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير عام 2009..
و ما يجدر ذكره أن السودان… تفاديا لانعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي علي الرئيس و آخرين… تم في عام 2010 تعديل القانون الجنائي لعام 1991, حيث تم تضمين الجرائم الأربع المنصوص عليها في ميثاق روما..لكي تتم محاكمة المتهمين في السودان بدلا عن تسليمهم و مثولهم أمام محكمة لاهاي…لكن بالطبع هذا التشريع الجديد اصطدم بميثاق روما نفسه..اذ نص الأخير علي عدم رجعية الأثر…….سيما و أن الميثاق لا يسري علي الجرائم التي ارتكبت قبل عام 2002 تاريخ المصادقة علي الميثاق ..و من المعروف أن الجرائم في دارفور كانت بعد اندلاع الحرب الأهلية عام،2003..
( المادة 23
لا عقوبة إلا بنص
لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقا لهذا النظام الأساسي.
المادة 24
عدم رجعية الأثر على الأشخاص
1 – لا يُسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق
لبدء نفاذ النظام.)
2 بيد أن الميثاق نفسه نص علي إمكانية انعقاد المحكمة خارج مقرها في لاهاي …المادة 3/3 …
… كما اتاحت الفرصة للدول أن تسعى إلى عقد محكمة هجين في الداخل لمحاكمة المتهمين… Hybrid court..و لعل هذه المادة في الميثاق تحول دون إعمال مبدأ تكاملية اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مع القضاء السوداني complementarity… الذي يشترط أن يكن القضاء القومي راغبا و قادرا willing and capable. نعم راغب دون شك لكن غير قادر ..إذ لا يمكن العمل تعديل بالقانون الجنائي 1991 تعديل 2010 بأثر رجعي..إ و قد ترك الميثاق للدولة أن تختار بين تسليم و مثول المتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أو تشكيل محكمة هجين كما ذكرنا من قبل داخل البلاد..
تم اكتمال نصاب الدول الموقعة علي الميثاق في عام 2002. و لكن هناك بعض الدول لم تصادق على الميثاق لكي تصبح طرفا من أطراف الميثاق ، Roma Statute..كما أن بعض الدول الموقعة سحبت حتي توقيعها مثل الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا ….
و الجدير بالذكر السودان بسبب رفضه اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تم تجميد عضويته فيما يعرف بالتجمع الإقليمي بين الاتحاد الأوروبي و دول افريقيا و اسيا و الكاريبي EU–ACP.. الموقعة كلها علي اتفاقية لومي 1995 و 2005 حيث سميت في هذا العام باتفاقية كوتونو…و قد تم قبول الأطراف بالالتزام بميثاق روما و ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية.. و ذلك إبان التعديل الثاني لاتفاقية كوتونو في اوقادوقو عام 2010 ..حيث تم التعديل الاول في لوكسمبورغ عام 2005…و قد رفض وفد السودان التوقيع علي تعديل اوقادوقو بحسبان أن التعديل ينص علي ضرورة التزام الدول الأعضاء بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ..خاصة و أن هذا التعديل لاتفاقية كوتونو جاء عام 2010 في أعقاب مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير عام 2009..
.و لعل تعليق السودان للعضوية في هذه المنظومة كلفه تجميد نصيبه في استحقاقات التنمية المقدمة من الاتحاد الاوروبي الي الدول الأعضاء…اي ما يفوق ال 400,مليون يورو. و لعل البعثة السودانية في بروكسل علي علم بتفاصيل هذا الاستحقاق المفقود .
إحالة الدول غير الأطراف في ميثاق روما الي المحكمة الجنائية الدولية نصت عليها المادة 13,B في الميثاق ..و التي منحت مجلس صلاحية إحالة الدول غير الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي…و هذا الاختصاص لمجلس الأمن يقف شاهدا على تسييس العدالة الجنائية الدولية ..حيث أفسح المجال لحصانة مواطني الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن و حلفائها..
بيد أن عدم العضويه في الميثاق لا يعفي الدول غير الأطراف من انعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ،لانها عضو في الأمم المتحدة و ملزمة بالامتثال لاي قرار يصدر بالتالي من مجلس الأمن… و قد سبق أن أجاز مجلس وزراء الموجة الأولى من الفترة الانتقالية برئاسة د حمدوك أجاز مشروع قانون يفضي إلى انضمام السودان الي ميثاق روما .. إلا أن الانقلاب حال دون مصادقة الهيئة التشريعية الممثلة في مجلسي الوزراء و مجلس السيادة علي مشروع قرار مجلس الوزراء..
كل الانتهاكات التي تمت من كلا الطرفين و خاصة الدعم السريع خلال هذه الحرب العبثية ترقي الي جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و جريمة الإبادة الجماعية.. و من بينها قتل المتظاهرين سلميا .. القتل بالقصف العشوائي…حتي جريمة النزوح و التهجير القسري ،العنف الجنسي و القتل بدوافع عرقية .. و استهداف المدنيين و الأعيان المدنية و المراكز الصحية و الكادر الطبي الوطني و الدولي ..و ترويع المواطنين كما حدث مؤخرا من قبل الدعم السريع في مدني و ضواحيها و تعرض الملايين لشبح المجاعة في البلاد …..و هي انتهاكات اعترفت بها قيادات الدعم السريع و عدم السيطرة علي عناصرها المتفلتة..
…كما أن الدعم السريع متهم بارتكاب إبادة جماعية في الجنينة كما أشار تصريح المسؤولة الأممية عن منع الإبادة الجماعية علي النحو الذي جاء في الجزء الاول من هذا المقال..
كل هذه الانتهاكات سوف تخضع للتوثيق و للتحقق منها بواسطة بعثة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان بجنيف..و المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية..
.و لعل الكثير من منظمات المجتمع المدني و الناشطين السياسيين و المهتمين بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و منظمات حقوقية داخل الوطن مثل محامي دارفور و اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان و لجنة الأطباء المركزية..فضلا عن منطمات دولية و منظمات غير حكومية و على رأسها العفو الدولية و و هيومان رايتس ووتش و المفوضية السامية لحقوق الإنسان و المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. و لجنة الصليب الأحمر الدولي…و المفوضية العليا لشؤون اللاجئين و منظمة الهجرة الدولية..و منظمة اليونيسيف و منطمة الصحة العالمية.. و الاتحاد الأوروبي.و الخارجية و الكونغرس الأمريكي .. كلهم قد وثقوا لهذه الانتهاكات .. فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان مثل قتل المتظاهرين السلميين و افتقار المواطن لحقه الأساسي في الحياة و التعبير السلمي و الخدمات الأساسية كالصحة و التعليم و غيرها من الخدمات الأساسية مما يجافي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموقع و المصادق عليها السودان..
الجدير بالذكر أن المساءلة الجنائية الدولية تنعقد علي الأفراد و ليس على الدول… .. المادة 25 من ميثاق روما.
،(المسؤولية الجنائية الفردية)
1 – يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين عملا بهذا النظام
الأساسي…
المسألة الدولية تنعقد وفق ميثاق روما علي القيادات العسكرية و الأمنية حتي الدستورية الموكل لها أمر البلاد..و لا تطال الجنود أو موظفي الدولة… و تطال القيادات العسكرية في كلا القوات النظامية و غير النظامية…و الرؤساء بصفتهم القائد الأعلى للقوات المسلحة…في كلا الحالتين..أ في حالة أنهم أمروا باستهداف المدنيين و الأعيان المدنية و موظفي الكادر الطبي و العاملين في و كادر العون الإنساني…أو في حالة أنهم كانوا علي علي علم بحدوث هذه الانتهاكات و لم يحركوا ساكنا للحيلولة دون حدوثها ..هذا ما نص عليه ميثاق روما.. المادة عن المسؤولية الجنائية…..و ما يعرف في القانون الجنائي السوداني بالإتيان بفعل : المادة 28 من الميثاق.
( مسؤولية القادة والرؤساء الآخرين بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب
أخرى للمسؤولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:)
(أ) يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلا بأعمال القائد
العسكري مسؤولا مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، حسب الحالة، نتيجة لعدم ممارسة القائد
العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات …
‘1 ‘إذا أن ذلك القائد العسكري أو الشخص قد علم، أو يفترض أن
يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو
تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم؛
‘2 ‘إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير
اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو
لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق ‘إذا أن الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أية معلومات تبين
بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسؤولية والسيطرة
الفعليتين للرئيس؛
‘3 ‘إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود
سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجريمة
و ينعقد الاختصاص أيضا علي المليشيات و القوات غير النظامية.. the non state actors
. إحالة الدول غير الأطراف في ميثاق روما الي المحكمة الجنائية الدولية نصت عليها المادة 13,B في الميثاق ..و التي منحت مجلس صلاحية إحالة الدول غير الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي…
و عدم العضويه في الميثاق لا يعفي الدول غير الأطراف من انعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ،لانها عضو في الأمم المتحدة و ملزمة بالامتثال لاي قرار يصدر بالتالي من مجلس الأمن..
. الجدير بالذكر أن المساءلة الجنائية الدولية تنعقد علي الأفراد و ليس على الدول. المادة. في ميثاق روما ….
كما أن المساءلة الجنائية الدولية تنعقد وفق ميثاق روما علي القيادات العسكرية و الأمنيةو حتي الدستورية الموكل لها أمر البلاد..و لا تطال الجنود أو موظفي الدولة… و تطال القيادات العسكرية في كلا القوات النظامية و غير النظامية…و الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة…في كلا الحالتين.. في حالة أنهم أمروا باستهداف المدنيين و الأعيان المدنية و موظفي الكادر الطبي و العاملين في مجال العون الإنساني أو علموا بهذه التجاوزات و لم يحركوا ساكنا لمنعها …علي نحو ما ذكرنا آنفا….
…اي ما يعرف في القانون الجنائي السوداني بالفعل أو الامتناع عن فعل.
.. من جهة أخري ليس من المستبعد أن يستدعي الوضع الراهن الي تدخل دولي تحت الفصل السابع .. حالة استمرار و تفاقم هذه الكارثة إلانسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث… و علي غرار ما حدث عام 2005 حيث تمت إحالة الحالة في دارفور إلي المحكمة الجنائية الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1953 لعام 2005 . علي اثر لجنة التحقيق الدولية عن دارفور برئاسة الايطالي كاسياس و التي تم تشكيلها بموجب قرار الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي عنان..و حدث من بعد ذلك ما حدث من مذكرات توقيف دولية في حق البشير و غيره…و من تداعيات سلبية على علاقات السودان الدولية..