محجوب مدني محجوب يكتب:
إن أريد إلا الإصلاح:
الفرق بين النظرة الجزئية والنظرة الكلية
الذين ينظرون إلى حل الأزمة السودانية في القيادة الحالية للجيش، فهؤلاء ينظرون إلى الأزمة نظرة جزئية.
والذين ينظرون إلى حل الأزمة السودانية بالعودة إلى جذورها وأسبابها الأساسية، فهؤلاء ينظرون للأزمة نظرة كلية.
يتفق الفريقان في كونهما يجتمعان كلاهما تحت خندق واحد.
كلاهما يعاديان من يعادي الجيش.
إلا أن خلافهما جد كبير.
فالنظرة الجزئية تحصر نفسها في محاربة ومعاداة من يعادي القيادة الحالية للجيش، وتهاجم وتعادي كل من لا يقف مع القيادة الحالية، وتعتبره مثبط ومحبط لها.
فإذا انتصرت قيادة الجيش الحالية اعتبروا أن قضيتهم بأكملها قد حلت.
وإذا هزم الجيش اعتبروا أن هذه هزيمة للشعب السوداني وللبلد.
أما النظرة الكلية، فهي تنظر للأزمة باعتبار أن أسبابها ليست العدو الماثل أمام قيادة الجيش الآن بقدر ما هي أخطاء تراكمية سواء عسكرية أو سياسية حلت بالبلد، وبالتالي لا يعولون كثيرا على العدو الآن، وإنما يعولون على حل الأزمة من أساسها؛ لأنهم يعتبرونها السبب الأساسي في افتعال الأزمة، فإن انتصرت القيادة الحالية للجيش في موقع من المواقع لا تعول هذه النظرة كثيرا على هذا الانتصار عكس النظرة الأولى؛ لأنهم يعتقدون أن هذا النصر لا يحل الأزمة من أساسها.
وطبعا إذا أخفقت القيادة الحالية للجيش، فسوف يرجع اصحاب النظرة الكلية هذا الإخفاق مباشرة لأساس الأزمة.
وهكذا يغرد أصحاب النظرة الجزئية في واد بينما يغرد أصحاب النظرة الكلية في واد آخر.
ومن مواصفات النظرة الجزئية هي أنها شديدة الهجوم على النظرة الكلية، وتعتبرها لا تخدم القضية بل في كثير مع الأحيان تضعها والعدو في منزلة واحدة.
أما أصحاب النظرة الكلية، فلن تجدهم يهاجمون تلك النظرة ولا تجدهم يبررون لموقفهم.
تجدهم مشغولون بسبب الأزمة، ومشغولون بإعادة النظرة إلى جذورها، وهم في ذلك متفاعلون غاية التفاعل مع الأزمة إلا أن أصحاب النظرة الجزئية لا يرون أثرا لتفاعلهم هذا.
يحصر أصحاب النظرة الجزئية كل الأزمة في انتصار القيادة الحالية للجيش على قوات الدعم السريع، وهذه النظرة لا بأس بها لكن إشكاليتها تأتي في كونها لا تستوعب معها أصحاب النظرة الكلية بل تعاديها.
الله خلق الخلق بكل مستوياته وأصنافه على أن يعيش حياته بكل تفاصيلها دون أن يرى أي فراغ في هذه التفاصيل مهما كانت قلة درجة استيعابه ووعيه.
فقد قال القرآن الكريم على لسان الهدهد في سورة النمل آية رقم ٢٥ ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض …)
فالهدهد لم ينظر إلى عظمة الله إلا من خلال ما يهمه ويسيطر على حياته وهو إخراج الله الرزق في السموات والأرض.
لم يستدل الهدهد على عظمة الله في سر آخر من أسرار خلق الله، وقد يكون سرا أكبر أضعاف من سر إخراج الخبء كخلق الهدهد نفسه من عدم.
لكن لأن اهتمام الهدهد في رزقه حينئذ حصر الهدهد عظمة وقوة الله في إخراج الخبء، وإن كان استدلال الهدهد صحيح إلا أنه لا يستنتج منه على أن أعظم ما خلق الله هو إخراج الخبء كما لا يستنتج منه أن الشيء الوحيد الذي خلقه الله هو إخراج الخبء، وإنما يستنتج منه على ان أعظم ما يراه الهدهد من خلق الله هو إخراج الخبء.
وكذلك هذه القاعدة تنطبق على كل خلق الله إذ جعلهم الله يحصرون كل الحقائق في فهمهم المحدود ويعيشون على أساس أن هذا هو الحق كله والخير كله.
باستثناء أصحاب النظرة الكلية، فهم ينظرون إلى الحقائق نظرة عامة وشاملة، واكبر دليل على هذا الاستثناء هو أن أصحاب النظرة الكلية لا يهاجمون أصحاب النظرة الجزئية، ولا يعادونهم ولا يتهمونهم باتهامات ليست بهم كما يفعل هم بهم.
ولا ضير في كليهما وكما ورد في الأثر أن كلا يحاسب على نياته.
إلا أن أصحاب النظرة الكلية هم من ينهون ويزيلون الأزمة من جذورها.
وعليه فما أن تجد أن النظرة المسيطرة والغالبة على الجميع نظرة جزئية، فهذا يعني أن ثمة حل مؤقت وعابر قد يحدث.
أما النظرة الكلية إن طغت واستولت على الوضع القائم، فهي فضلا عن كونها سوف تنهي الأزمة عن آخرها، فهي كذلك سوف تستوعب الجميع داخلها.
فهي ليست فقط لا تعادي أصحاب النظرة الجزئية، وإنما كذلك لا تمثل اهتمامها وغايتها إذ أن اهتمامها وغايتها أكبر وأعظم.
وكل ميسر لما خلق له.
الرئيسية / الاعمدة / محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الإصلاح: الفرق بين النظرة الجزئية والنظرة الكلية
شاهد أيضاً
*د. محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *يا حديثين العهد*
*د. محمد الريح الشيباني يكتب:* *سطور من نور:* *يا حديثين العهد* الخزي والعار دولة تشاد …